بداية فيلم «لاهي، هايوب» (2020) مشعّة جداً مثل شمس حارقة. ليست دافئة، بل شمس تحرق وتعمي، تسحق أي شخص وتحوّل السهول إلى أفق قاحل لا مكان فيه للفرار أو الاختباء. كاميرا المخرج الفليبيني لاڤ دياز لا تستغرق وقتاً طويلاً لتغرقنا في الغابة كما هو معتاد. مرة أخرى، تتضخم الغابة الفليبينية بعينَي المخرج، الذي يراها ثراءً لا ينضب محمّلاً بالوعي الجماعي والتاريخ المكبوت والذاكرة، كأنّه صندوق مليء بالأساطير والوحوش البشرية. بين فروع هذه الغابة، تُشرَّع الأبواب مجدّداً على أبعاد أخرى، تحديداً على ثلاثة رجال، حيث الجشع سيوقظ الوحش الكامن فيهم ويجعلهم يغرقون في الجنون. «لاهي» هو عنوان الفيلم، كما الاسم العلمي للشمبانزي والبونوبو، الذي سبق الإنسان في تاريخ التطور. سباق ترجع فيه الشخصيات إلى الوراء، لتعود مخلوقات غريزية بأدمغة أقل تطوراً، بشراً من الخارج وقردة من الداخل. أفلام لاڤ دياز متشابهة، إلى حد معين. هو مؤرخ وراوي قصص، وأيضاً عاشق سينمائي انتقائي. فيلمه الجديد «لاهي، هايوب» مزيج من الإثارة والدراما وحيوية الكائن البشري. يروي في نصفه الأول الرحلة التي يقوم بها ثلاثة عمّال من ثلاثة أجيال مختلفة عبر جزيرة هوغاو النائية بين المياه والجبال والغابات. عودة الرجال مع رواتبهم بعد العمل لعدة أسابيع في منجم ذهب، ستولّد التوتر وتكون سبباً للصراعات.
مزيج من الإثارة والدراما وحيوية الكائن البشري


يدخل «لاهي، هايوب» حيوات الشخصيات الثلاث، كاشفاً آلامها بينما هي مفصولة عن العالم في بيئة لا نهاية ولا حدود لها. يتصاعد التوتر في هذه الأراضي التي يطاردها تاريخ عنيف من الاستعمار والترهيب. الحديث عن الماضي يجعل الرجال متوترين. سماع صوت القردة يدفعهم للجنون، واعتقادهم برؤية أحصنة يعني أنّهم فقدوا رؤية العالم الواقعي ليدخلوا في عالم المعتقدات والأساطير. يكشف لنا لاڤ دياز طريقة تعامل الشعوب التي ورثت تاريخاً عنيفاً، وكيف تعيد بناء أنفسهم. دياز غير متفائل، شخصياته محكوم عليها بلعب جولات ملعونة بينما تتخبّط بين الصدمة والعجز.
أسلوب لاڤ دياز نفسه، الأبيض والأسود واللقطات الثابتة والطويلة، والموضوعات المرتبطة عموماً بتاريخ الفليبين وتقاليدها حيث كان الأميركيون واليابانيون والديانات والأساطير. «لاهي، هايوب» أقل أفلام دياز طولاً، ساعتان ونصف الساعة فقط من مخرج تعوّدنا على أفلامه التي تصل إلى حدود الـ 11 ساعة. في هذا الوقت القصير، حافظ دياز على التوتر والمكائد ولم يحلّها إلا في المشهدين الأخيرين. مع وجود الحوارات والحبكة والدافع والخاتمة، يكون دياز غيّر قليلاً من أسلوبه السينمائي، لكنّه أبقى على الرغبة في شجب الوضع السياسي غير المستقر في بلاده. يهين السياسيين بوقاحة، ويشرح أن الميل نحو العنف والدكتاتورية والفاشية يرجع إلى عجز فكري. الفيلم الثالث عشر في رصيد دياز هو الأكثر تشاؤماً، يعيد التاريخ ويضع شخصياته في جزيرة اشتهرت بعمليات الاغتصاب والعنف التي ارتكبها الجيش الياباني خلال الحرب العالمية الثانية. فيلم غارق في الموت واليأس، حيث تركنا دياز وترك شخصياته تواجه حصتها من التاريخ العنيف.

Lahi, Hayop على Mubi