يبدو أن الأشهر المقبلة ستشهد تغييرات في المشهد الإعلامي الخليجي. هذا باختصار ما يجري على الساحة الخليجية، وتحديداً القطرية: سيُعاد ترتيب بيت «التلفزيون العربي» الذي انطلق عام 2015 في لندن عبر نقل مقرّه إلى الدوحة. «هجرة» القناة التي يُديرها الإعلامي اللبناني عباس ناصر وخلفه الكاتب الفلسطيني عزمي بشارة، لم تعد سرّاً على أحد. فقد أعلن «التلفزيون العربي» أنه قرّر نقل مقرّه الرئيس من العاصمة البريطانية إلى العاصمة القطرية، وتحديداً إلى مدينة لوسيل. ولفت التلفزيون في بيان على صفحته على تويتر، إلى أنّ القرار اتُخذ «بعد إقامة تأسيسية وتجربة ثريّة في لندن، في إطار عملية تطوير القناة الجارية على نحوٍ حثيث في العامين الأخيرين. نقل القناة، يصبّ في صالح تسهيل إصدار التأشيرات والإقامات للعاملين والزائرين، ولأغراض الاستثمار في مدينة لوسيل الحديثة الصاعدة في قطر». وتطرّق البيان إلى مصير الموظفين في لندن، وأورد: «منذ أسابيع بدأت إجراءات تخيير العاملين في الانتقال إلى الدولة أو البقاء في لندن. أقرّت إدارة القناة تعويضاً للذين يختارون عدم الانتقال يفوق بأضعاف ما تنصّ عليه القوانين البريطانية وأعراف شركاتها». مصير الموظفين في لندن بات الآن تحت المجهر، فهل يكونون ضحايا الخطوة المنوي اتخاذها، كما حصل مع العديد من القنوات ووسائل الإعلام العربية التي أغلقت أبوابها من دون منح العاملين تعويضاتهم؟ في المقابل، خرجت أخبار عن استقالة مدير «التلفزيون العربي» عباس ناصر بعد رفضه ترك لندن، خصوصاً أنّ الإعلامي اللبناني غرّد على تويتر ملمّحاً إلى استقالته من دون حسم موقفه، إذ كتب: «أنا على رأس عملي، أمارس مهامي بشكل اعتيادي، ولن يتغيّر شيء إلى آخر لحظة من وجود التلفزيون في لندن. اللّهم إلّا إذا قدّر المعنيون أمراً مختلفاً، أو تغيّرت أوضاعي الشخصية فسمحت بالانتقال». وعرّج ناصر الذي تنقّل سابقاً بين «المنار» و«الجزيرة»، على خبر تركه لندن موضحاً «في اجتماع دوري مع الزملاء المدراء في القناة، ذكرت أنني أرجّح عدم قدرتي على الانتقال إلى الدوحة مع التلفزيون المنتقل إلى هناك، لأسباب شخصية وعائلية». وختم ناصر كلامه «أنا مدير هذا المشروع الواعد إلى حين القرار الفصل. وهذا يحسمه صاحب القول الفصل، وأنا شاكر له موقفه في جميع الأحوال».
في هذا السياق، تلفت مصادرنا إلى أن عزمي بشارة الذي يدير «المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات»، و«فضاءات ميديا» التي تأسّست عام 2012 (تضمّ كلاً من صحيفة «العربي الجديد» وشبكة «التلفزيون العربي» وتلفزيون «سوريا»، والنسخة الإنكليزية من The New Arab، ومؤسسات أخرى)، سيدمج مؤسساته في جسدٍ واحد هو «التلفزيون العربي». ويرجّح بعضهم استغناء بشارة عن بعض وسائل الإعلام الورقية التابعة له، والإبقاء على الإلكترونية منها، إلى جانب إقفال تلفزيون «سوريا» بشكل نهائي. إذ سيتم تحويل «التلفزيون العربي» إلى شبكة إخبارية ترفيهية مركزها الدوحة ذات مكاتب في مختلف الدول العربية، لتقدّم مروحة برامج ترفيهية وفنية واجتماعية تخاطب الجيل الجديد، إضافة إلى إنتاج الدراما التلفزيونية وإنشاء منصات ستريمينغ، في خطوة تشبه إلى حدّ ما، ما تقدمه شبكة mbc السعودية التي ينضوي تحتها تطبيق «شاهد». وتكمل المعلومات بأنّ عزمي قرّر إجراء خطّته الإعلامية مطلع العام المقبل، معنوناً عام 2022 «عام نقلة الإعلام القطري». وتكشف المعلومات أن بشارة أوكل الخطة إلى الإعلامي السوري أنس أزرق الذي يتابع عن كثب عملية الدمج، مع العلم أنّ العديد من علامات الاستفهام تدور حول أزرق بعدما تولّى تأسيس تلفزيون «سوريا» في تركيا. وتلفت المصادر إلى أنّ السوريين سيكون لهم حضور في التغييرات المنتظرة، إذ ستتم مشاركتهم بجملة مشاريع تلفزيونية ودرامية، وأولها تعاقد «العربي» مع السيناريست السوري ممدوح حمادة لكتابة «سيتكوم». الأخير ستدور أحداثه في فندق في قطر، حيث يأتي النزلاء من مختلف الدول العربية، ولكل نزيل حكاية من أرض الواقع السياسي العربي والخليجي.
الإعلامي السوري أنس أزرق يتابع عن كثب عملية الدمج


في السياق نفسه، تشير المعلومات إلى أنّ ناصر عقد اجتماعاً مع القائمين على القناة، الذين طلبوا من الإعلامي اللبناني انتقاله إلى الدوحة. لكن ناصر رفض ذلك، متمسكاً ببقائه في لندن لأسباب شخصية على حدّ قوله. وتلفت المصادر إلى أن غالبية الموظفين في لندن يرفضون الانتقال إلى الدوحة بسبب الامتيازات التي يحصلون عليها أبرزها الجنسية البريطانية وتعويضات نهاية الخدمة. ويبدو أنّ الإعلامي اللبناني لا يعرف مصير عمله في «التلفزيون العربي» بعد، فالأمر رهن بعزمي بشارة الذي سيعلن قراره قريباً. وخير دليل ما قاله عباس في تغريدته «بأن هذا ما يحسمه صاحب القول والفصل»! يلتزم ناصر الصمت حالياً، بعدما حاولت «الأخبار» الاتصال به مراراً من دون جدوى.
على الضفة نفسها، تلفت المعلومات إلى أن القطريين قرّروا تعزيز موقع الدوحة الإعلامي عبر استقدام «التلفزيون العربي» (يُحكى أن التلفزيون يضم قناتين الأولى إخبارية والثانية ترفيهية)، بعدما كانت العاصمة القطرية مغيّبة عن الخريطة الإعلامية سنوات طويلة.
رغم مرور سنوات على انطلاق قناة «العربي»، إلّا أنّها لم تستطع ترك بصمة في التلفزيون. ورغم بناء استديوهات ضخمة في لندن تبعتها مكاتب في دول عربية، لكن الشاشة القطرية لم تستطع منافسة باقي زميلاتها على رأسها «العربية» و mbc وغيرهما. وتوضح المعلومات أن القطريين قرروا إنشاء شبكة تشبه mbc التي تعتبر الأكثر انتشاراً عربياً، وما شجعهم على الخطوة هو الكلام عن انتقال الشبكة السعودية إلى الرياض (خلال عامين على أبعد تقدير) بأمر من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. عندها، فإن الساحة الخليجية ستكون بحاجة إلى واجهة إعلامية تغطي غياب mbc، بعد أن يتوقّع أن تفقد الأخيرة بريقها وتتحول إلى قناة سعودية عادية بمجرد انتقالها إلى المملكة.
من هذا المنطلق، قرر بشارة وفريقه إحداث تغييرات ونقل «التلفزيون العربي» إلى أرضه الأم ومراقبة عمله تحت أعين القطريين. وتشهد الدوحة حالياً دورات تدريب موظفين على تقديم نشرات الأخبار، وآخرين لتولي مهام مشاريع تلفزيونية اجتماعية وترفيهية. كما يتم البحث في مختلف الدول العربية، عن مراسلين لمختلف البرامج التي يتم التحضير لها. في المقابل، ترك مدير البرامج في mtv جوزيف الحسيني الشاشة اللبنانية قبل أشهر، وانتقل إلى قطر حيث يتولى جزءاً من إدارة البرامج الجديدة. لكن يبقى السؤال الأهم: هل يتعارض «التلفزيون العربي» بحلّته الجديدة مع قناة «الجزيرة»؟ هل هو مشروع بديل لـ «الجزيرة» بعدما اضطرت الدوحة لتحجيمها كجزء من مطالب الرباعي (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) الذي قاطعها منذ عام 2017. وتشير المعلومات إلى أنه بالفعل عند انطلاق «العربي»، نُظر إليه على أنه مشروع مواز لـ «الجزيرة» التي انطلقت عام 1996، خاصة أنه خلال فترة الخلاف السعودي - القطري وانقطاع العلاقة بين «الأخوين» الخليجيين، كانت «الجزيرة» رأس حربة في الصراع. وحُكي يومها عن أن ثمن الصُلح الخليجي، هو صمت «الجزيرة» التي فضحت قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشجقي (1958ـــ 2018) في تركيا. إلّا أنّه مع الوقت وعودة العلاقات بين قطر والسعودية أقلّه في الشكل، أثبتت «الجزيرة» أن قوّتها تكمن في استمرارها، وبأن «العربي» لا يتعارض مع المحطة، بل إنّ وجودهما معاً يحتلّ ساحة إضافية في المشهد الإعلامي العربي.
في المقابل، حملت الصورة التي انتشرت أخيراً على السوشال ميديا، وجمعت أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان ومستشار الأمن الوطني في الإمارات طحنون بن زايد آل نهيان، بعض الملامح حول التغييرات التي ستنعكس على الإعلام الخليجي أولاً، خاصة أن الصورة تزامنت مع خبر انتقال قناة «العربية» إلى السعودية وتركها الإمارات بعد سنوات طويلة على عملها هناك. ورأى بعضهم أن الخليج سيقوم بتعزيز إعلامه من أرضه ومنشئه، ليتولى معارك الدولة التي تملكه.