ذات مرّة، قال لنا المخرج الراحل حاتم علي (1962 ــــ 2020): «تحوّلنا للأسف إلى أسوأ محامين ندافع عن أكثر القضايا عدالةً عندما جلسنا ننجز مسلسلات تدّعي بأنها تتصدّى للقضية الفلسطينية، لكنها كانت أعمال مهلهلة. هذه القاعدة سكنتني عندما قرّرت أن أتصدّى لمسلسل «التغريبة الفلسطينية» (كتابة وليد سيف)». العمل الأبرز في تاريخ التلفزيون العربي الذي روى ببراعة جزءاً من معاناة الشعب الفلسطيني، كان قد أُنجز في مرحلة وفاق بين المال الخليجي والموهبة الشامية أيّام عزّ الدراما السورية. لكن في المقابل، هناك العديد من المسلسلات التي تصدّت لفلسطين، أو شخصيّات مقاومين، وخرجت بمستوى متواضع جداً، ما يؤكّد قاعدة المخرج الراحل. قبل أسابيع، سمعنا عن رجل أعمال أردني ألماني يدعى سيف عبد العزيز، عاش أكثر من نصف قرن في أوروبا، وأسّس أعمالاً تجارية ناجحة هناك. لكنّه قرّر أخيراً خوض المجال الفني، بعمل تلفزيوني ثلاثيني يشتبك مع القضية المحوريّة للعرب، معتبراً بأن كلّ ما حدث خلال العقد الأخير في منطقتنا كان لتشتيت الأمر كليّاً عن هذا الموضوع. هكذا، قرّر أن ينتج مسلسلاً عن فلسطين في مكاشفة مرحلة زمنيّة لم يتم التعاطي فيها درامياً من قبل. الأمر يبدو أشبه بدهشةٍ مبالَغ فيها في زمن التخلّي المطلق عن القضية، والتّطبيع مع إسرائيل! لذا قصدنا رجل الأعمال الذي حمل قصّته إلى الكاتب السوري المحترف محمد ماشطة، ليصوغا معاً قصة «حضور لموكب الغياب» (لم يعتمد على اسم مخرج لكنّه غالباً سيكون من بطولة: سمر سامي، ديمة بيّاعة، مازن الناطور، منذر رياحنة، ريم علي...). يروي العمل التداعيات الأولى للانتدابين الفرنسي والبريطاني على فلسطين والمراحل التأسيسيّة للكيان الصهيوني. يوضح سيف عبد العزيز كاتب ومنتج المسلسل في حواره مع «الأخبار» بأن شركته ألمانية المنشأ «أسّسناها في دوسلدورف قبل ثلاثة أعوام، وتحمل اسم «آمالكو فيلم»، وأتولّى رئاسة مجلس إدارتها، فيما يشغل شريكي الأدبي في كتابة العمل محمد ماشطة موقع المدير التنفيذي فيها، فضلاً عن كونه مدير المشاريع في الأردن حيث تعاقدنا مع شركة «طلّة الأردن» كمنتج منفّذ أردني محلّي، يقوم بتنفيذ رؤيتنا وتحت إشرافنا».
لكن أوّل ما يخطر في بال أيّ متابع لحال الدراما العربية، وواقع بلادنا المنكوبة اليوم، سيفكّر بأن إنتاج عمل عن هذه القضية، هو بمثابة مغامرة غير محسوبة إنتاجياً، لأنه عمل فلسطيني الهوى والتوجّه، في زمن موجة التّطبيع. فكيف يمكن لمنتج أن يفكّر في إنتاج هذا المسلسل، ويعرّض نفسه لمغامرة كبرى، وربما لخسارة مالية؟! يجيبنا: «لم نقم بإجراءات حسابية! بمعنى تبيان الربح والخسارة، عندما قرّرنا التصدّي لإنتاج عملٍ ضخم يروي جوانب من معاناة الشعب الفلسطيني برؤيةٍ تاريخية تخصّنا، وتقوم على محاولة رصد الآثار الكارثيّة التي خلّفها الإنتدابان الفرنسي والبريطاني للمنطقة بُعيد خروجهما منها. بعبارة أخرى، رغم أن العمل يوغل عميقاً في تاريخ الكارثة الفلسطينية التي تشكّل مسرح الانفجار العظيم، إلّا أنه يستعرض آثاره في دول الجوار عموماً».
رغم أن العمل يوغل في تاريخ الكارثة الفلسطينية التي تشكل مسرح الانفجار العظيم، إلّا أنه يستعرض آثاره في دول الجوار


طيّب هل هناك خُطط محسوبة، أو مرسومة مسبقاً لتجنب الخسارات الفادحة مادياً؟ يرد: «نهدف حاليّاً لإنجاز عمليات الإنتاج بأفضل التقنيات، وأميز الخيارات الفنية والفكرية التي يعالجها النص، ولم نفكّر حتّى الآن في تسويق العمل، أو محاولة البحث عن شركاء لنا. ننطلق في موقفنا هذا من كوننا شركة اتخذت قراراً بدخول عالم الإنتاج، واخترنا نصوصاً نزعم أنّها ذات محتوى هادف ومفيد، وبالطّبع سنسعى لاحقاً لتسويق عملنا بالطرق الاعتيادية والبحث عن جهة تهتم بالعرض وتشاركنا الإيمان بجدوى ما قدّمناه».
أمّا عن القضية التي لامست أعماق الكاتب والمنتج، عندما قرّرا إنجاز مسلسل بهذه الجرأة الإنتاجية الهائلة لكي يوازي أهميّة قضية ساطعة العدالة، فهي ــ حسبما يشرح لنا سيف عبد العزيز ــ لمعت عندما قرأ المنظّر السياسي إدموند بورك الذي يقول: «الشيء الوحيد الذي يحتاجه الشرّ لينتصر هو أن يقف الأخيار مكتوفي الأيدي». يحاول المسلسل شرح القضية وجذورها الأولى مستعرضاً قرابة مئة عام من الصراع من دون تحقيق السلام العادل «الذي يأتي من فهمنا للتاريخ ولحقوقنا، ويحترم الإنسان والأخلاق، ويدعو الأطراف للحل العادل» يوضح المنتج الأردني ويضيف: «يروي العمل قصصاً درامية، ستترك أثراً لدى المشاهد إن كان هدفه المتعة أولاً وأخيراً، وما زلنا نعوّل على المشاهد الذوّاق الذي يهمّه الترفيه، وفي الوقت نفسه يعنيه الهدف والتاريخ والأثر النفسي، والشغل على المواد البصرية المبهرة، ولا نميل نحو التعميم على مشاهدنا بأنّه سطحي يهتم بالقشور فقط كما يفعل البعض».
وعن طريقة تسويق هذا العمل عبر الإنترنت، خاصة أننا كعرب مجرّد متلقّين، لا نملك شيئاً من القرار بما يخص الإنترنت والسوشال ميديا، وهي وسيلة تبقى الأبرز اليوم للترويج عن كل شيء، وأهم الأعمال التي لا يروَّج لها على مواقع التواصل الاجتماعي تبقى محصورة ومتواضعة الانتشار، ولو عرضت على أهم المحطات العربية، يعلّق منتج «حضور لموكب الغياب»: «ما زلنا نخوض تجربتنا الإنتاجية الأولى، وقد حرصنا على إعطاء العمل حقه من كل النواحي، إلى أن يصبح جاهزاً للعرض وبأفضل حال.
لكننا بوصفنا شركة ألمانية، سنسعى بالتأكيد لمحاولة إيجاد شريك أوروبي يقاسمنا الرغبة والنيّة بتسويق العمل على الإنترنت وعرضه على منصّات أو مواقع أو حتّى تلفزيونات، وما زلنا في طور التواصل مع هذه الجهات».