أصدر «نادي لكل الناس» بياناً في رحيل المخرج برهان علوية ننشره كاملاً: «فارقنا أمس، في بروكسيل، بعدما أقعده المرض أعواماً طويلة، السينمائيّ اللبنانيّ الكبير برهان علويّة المولود في أرنون، جنوب لبنان، سنة ١٩٤١. درس الراحل السينما في بروكسيل وتخرّج من معهدها في سنة ١٩٧١. وكانت باكورة أعماله فيلم «كفر قاسم» (١٩٧٤) الذي أظهر موهبته بوضوحٍ ممهّداً له موقعاً بارزاً بين المخرجين الطليعيّين في دنيا السينما العربيّة. تبعَ هذا العمل، في ما يزيد عن ثلاثين سنةً، نحو من عشرة أفلام أخرى بعضها روائيّ وبعضها تسجيلي. وقد عرض معظمها في مهرجانات عالميّة ونال جوائزَ أو رُشّح لجوائز. وأبرز أفلامه الروائيّة، فضلاً عن «كفر قاسم» الفلسطينيّ المدار، «بيروت اللقاء» (١٩٨١) وتدور وقائعه في مناخ الحرب اللبنانيّة التي استأثرت بأعمال أخرى لعلويّة تتّسم كلّها، على الرغم من توزّعها بين النوعين التسجيليّ والروائيّ، بطابع وجدانيّ جامع يمنحها أفقاً إنسانيّاً عامّاً أرحبَ كثيراً من الموضوع المباشر لكلٍّ منها. نشير، على الخصوص، إلى «رسالة من زمن الحرب» و«رسالة من زمن المنفى» و«إليك أينما تكون» وإلى العمل الروائيّ الأخير لعلويّة وقد سمّاه، بما يشبه النبوءة، «خَلَص!».هذا الحضور للبنان وقضيّته، في أعمال علويّة، لم يحُل البتّة دون ارتياد المخرج آفاقاً عربيّة وجد فيها بعضاً من مشاغل جيله البارزة. فبعد «كفر قاسم» الفلسطينيّ، كرّس علويّة اثنين من أعماله التسجيليّة لموضوعين مصريَّين: «لا يكفي أن يكون الله مع الفقراء» للمهندس المصري الكبير حسن فتحي ولمشروعه الإعماري والمعماري، و«أسوان» للسدّ العالي ووقعِه على محيطه البشريّ وبيئته.
من البدءِ، كانت أعمال برهان علويّة تدرِج نفسها في صفّ السينما الملتزمة بانشغالها بقضيّة الحرّيّة وبكشف القوى الغاشمة التي ترزح، على اختلاف مصادرها، على مصائر الأفراد والجماعات. ولكنّ هذا الالتزام يبقى بعيداً، عند علويّة، عن مجرّد الوعظ أو التحريض، إذ هو يحفظ، بوجدانيّته على التحديد، صفته الإيحائيّة الرهيفة وفرادة أشخاصه، مراعياً حرّية المُشاهد ومحافظاً على الطموح الجماليّ للعمل بأبعاده كافّةً.
في الأسلوب، امتازت أعمال علويّة، على الخصوص، بالتقريب ما بين الصورة السينمائيّة والصورة أو اللوحة المنتمية إلى فَنّيّ التصوير الآخرين: الفوتوغرافي والتشكيلي. فإنّ البطءَ الذي يطبع الشريطَ البرهانيّ يمنح الصورة ما يكفي من الوقت لتتّخذ لنفسها نوعاً من الشخصيّة القائمة برأسِها. هكذا تغدو مشاهدة الشريط شبيهةً، على نحوٍ ما، بزيارةٍ لمتحفٍ أو لمعرض...
يجد «نادي لكلّ الناس» نفسه شريكاً بين الأقربين في المصاب ببرهان علويّة. فإنّ اهتمام النادي بإعادة أعمال هذا السينمائيّ الكبير إلى التداول وبترميم بعضها قد أنشأ بين برهان علويّة وبين النادي وأعضائه علاقة محبّة شِبْهَ عائليّة. فنحن، بصفتنا هذه، نشارك عائلة الفقيد وسائر محبّيه وعارفي فضله وأهل السينما في النطاقين اللبنانيّ والعربي شعورهم بالخسارة.
برهان علويّة باقٍ بأعمالهِ، باقٍ في قلوب محبّيه»