البندقية | ينافس فيلم «أميرة» للمخرج المصري محمد دياب على «جائزة آفاق» ضمن فعاليات «مهرجان البندقية» بدورته الـ ٧٨ المستمرّة لغاية الأحد المقبل. الشريط، الذي قُدّم في عرضه الأول في المهرجان الإيطالي قبل يومين، يشكّل تجربة لافتة، لناحية أنّه عمل مشترك مصري وأردني وفلسطيني، من تمثيل تارا عبود، وصبا مبارك وعلي سليمان. كما يشارك المخرج الفلسطيني المعروف هاني أبو أسعد كمنتج فنّي، إلى جانب أميرة دياب وسارة جوهر. في هذا الإطار، يقول لنا أبو أسعد: «التعاون مع دياب كان مثالياً. لا يمكن التغلّب على الوضع الراهن في الشرق الأوسط بدون الوحدة، ويجدر بالفنانين أن يكونوا مثالاً في هذا الصدد».

تدور أحداث الفيلم حول «أميرة» الشابة التي تعتقد أنّها وُلدت من تهريب نطف لأسير فلسطيني، فتترعرع وتصقل ذاتها ووعيها بروايات البطولة والنضال، إلى أن تأتي الحقيقة لتحطّم مراياها، وتبدأ مسيرة بحثها خلف شبابيك أُحكم إغلاقها حتى قبل ولادتها.
يصوّر المخرج المصري محمد دياب معاناة الأسرى الفلسطينيين في السجون، كما واقع الفرد الفلسطيني الذي يعيش في سجن أوسع يتوهّم فيه بأنّه حرّ. فهذا الحيز العام تنحصر فيه الحريات في قوالب مجتمعية تخترق حياة الأفراد الخاصة، فتفقد المرأة الفلسطينية، بطلة هذا الفيلم، صوتها وخياراتها وذاتها، في حيّز تقلّصه دوائر ظلم متشابكة.
تفقد المرأة صوتها وخياراتها وذاتها، في حيّز تقلّصه دوائر ظلم متشابكة


تألق دياب ليس في تصوير هذا الخاص والمحلي فحسب، فقضية الأسرى وظاهرة تهريب النطف تتحدث بذاتها وعن ذاتها، وقد سبقته إلى ذلك أفلام تدور حول الواقع الفلسطيني تنافست على جوائز مهرجانات عالمية. لقد تألّق دياب بتحويله هذا الخاص والمحلي إلى قوالب أصلية عالمية، تطرح تساؤلات فلسفية ووجودية، بانسجام تام بين لغته السينمائية والحبكة والمحادثات والشخصيات. كأنّ مقولة «ليس كل شيء كما يبدو»، ترافق أحداث الفيلم، فتنعكس أحداثه مراراً للمشاهد عبر مرايا ولقطات أخرى تركّب بها «أميرة» واقعها، كما تشتهي أن يكون بواسطة توليف الصور. عبر أحداث الفيلم، يبدو دياب كأنه يلعب مع المشاهد لعبةً فكريةً، ويلقّنه درساً في التروّي في إطلاق الأحكام، فيغلق دائرة تأويلية مبنية على أحكام مجحفة، ليفتح دائرة تأويلية أخرى تذكّرنا ببعدنا البشري عن الحق، كمقدار بعدنا عن الحرية. يتساءل أحد الممثلين في الفيلم عما إذا كان كل شيء يُمليه الحمض النووي أم أنّنا كأفراد نمتلك الخيارات.
بعد فيلمين مصريين هما «فيلم 678» (عن التحرّش في مصر)، و«اشتباك» (ثورة يناير وما بعدها)، تأتي تجربة دياب الإخراجية الثالثة عملاً فلسطينياً بحتاً. يقول دياب لنا: «تمثّل قضية فلسطين جزءاً من وجدان كلّ عربي، وتهريب النطف يعكس معاناة الفلسطيني وإصراره على الحياة. قصة هذه الأسرة تمثّل مجازاً كل ما حصل ويحصل في فلسطين، ومنها ينبثق سؤال وجودي حول قرارات الإنسان، وعما إذا كانت ناتجة عن تربية وتطور مجتمعي أم أنّها اختيارات شخصية حرة.