«بيروت تشعل أنوارها» عبارة يعلّق فيها جورج غانم على مرحلة إعادة إعمار بيروت بعد الحرب الأهلية، وتولّي رفيق الحريري هذه المهمة. العبارة وردت في الجزء الثالث والأخير من وثائقي «الحاكم بأمر الليرة» الذي نفذّه غانم عام 2014، واليوم يأخذ «تلفزيون لبنان» على عاتقه مهمّة إعادة بث أجزائه الثلاث، للمرة الثالثة على التوالي، بعد عرض السلسلة في أيار (مايو) الماضي، وفي عام 2016. هكذا، ووسط انهيار الليرة، واشتداد الأزمات الاقتصادية والمعيشية، وانطفاء أضواء بيروت وباقي المناطق، يُخرج التلفزيون الرسمي هذه الورقة، التي تندرج ضمن البروباغندا السوداء التي تلمّع صورة حاكم «مصرف لبنان» رياض سلامة. في الجزء الثالث والأخير الذي عرض على الشاشة الرسمية قبل أيام قليلة، تخصيص أكثر من خمسين دقيقة لتأريخ مرحلة دخول سلامة إلى الحاكمية، والظروف السياسية والاقتصادية التي أحاطت بتلك المرحلة، أي منذ عام 1993 لغاية عام 2014 (تاريخ إطلاق السلسلة). المُشاهد لهذا الجزء يكون في حقيقة الأمر أمام مشهد سريالي، بين سوادوية الواقع اللبناني اليوم، الذي يتصدر سلامة بالطبع والطّبقة السياسية المتواطئة المسؤولية في الوصول إليه، وبين صورة تبجيليّة للحاكم لطالما برع جورج غانم في تقديمها. يقدم الشريط سلامة على أنه المنقذ والمحافظ الأول على الليرة اللبنانية، هو الآتي من «خارج الطبقة السياسية والقطاع المصرفي». يتدرج الشريط من مرحلة إعادة إعمار بيروت، في التسعينيّات، ويُعرّج على العدوانين الإسرائيليين في نيسان (ابريل) عام 1996، وتموز (يوليو) عام 2006. ينطلق منهما ليضخّ تسويقاً أكثر لصورة سلامة، الذي واكب عبر «المصرف المركزي» هذه النكسات الاقتصادية، و«حافظ على استقرار سعر الصرف»، عبر «تمويل العجز عبر الاستدانة»، و«هندسة الدين». يُنهي الشريط بالحديث عن الحاكم الذي «دافع عن الليرة»، وحافظ «على مناعة المصارف»، و«حمى الدولة من الانهيار المالي»، وحمّل المواطن «سلاح الدفاع عن الليرة» وقوته الشرائية. ويختتم بعبارة «إنه الحاكم بأمر الليرة في دولة مصرف لبنان نيابة عن الدولة اللبنانية». هكذا، يُعيد التلفزيون الرسمي بث هذه السلسلة التي تؤرّخ للمصرف المركزي وتعاقب الحاكمين عليه، في توقيتٍ سياسي مشبوه، يحاول تلميع صورة سلامة، المهشّمة قضائياً وشعبياً في الداخل اللبناني وفي الخارج، لينضم إلى باقي الجوقة الإعلامية التي تدافع عن الحاكم وتنفض عنه مسؤولية الانهيار الحاصل.