«تأثير المنظمات المتطرّفة على الأمن القومي العربي» عنوان يتّسع للكثير من الإشكاليات المتعلقة بالتهديد الذي نعيشه في البلاد العربية بدرجات متفاوتة وبأشكال مختلفة: المنظمات التكفيرية الإرهابية وعلى رأسها «داعش» التي لا تنحصر خطورتها في جناحها العسكري أو المسلّح، بل تتعدّاه إلى ما هو ربّما أشدّ خطراً على مفهوم الأمن القومي العربي. وهو عنوان لكتاب علي إبراهيم مطر الباحث في العلاقات الدولية والدبلوماسية الذي صدر عن «دار المعارف الحكمية» حديثاً ككتاب يعالج هذه الإشكاليات على سبيل التعريف بالأمن القومي العربي وإظهار التحديات التي يواجهها، بالإضافة إلى تقديم رؤية واضحة حول خطر تمدّد الفكر المتطرّف والكيفية التي تشكّل عبرها «داعش» كنموذج اعتمده مطر في دراسته، تهديداً للأمن القومي العربي وحالةً استغلتها الأطراف الخارجية للدخول إلى الدول العربية.ظهور تنظيم «داعش» الحديث نسبياً، شكّل موضوع دراسة بالنسبة إلى العديد من الباحثين العرب والأجانب، إلا أنّ المكتبة العربية لا تزال فقيرة إلى حدّ ما بالدراسات الموضوعية والعلمية التي تقيّم الحالة الداعشية وسائر المنظمات المتطرفة وتحدّد مخاطرها وتتحدث عن المواجهة معها في سوريا والعراق تحديداً، وتسعى إلى تقديم حلول ووسائل مواجهة ناجعة لردّ الخطر الذي يمثله الفكر الإرهابي التكفيري المتطرف بكل تشكيلاته وتنظيماته، ولا سيّما تنظيم «داعش». وبالتالي، فإن الإضافة التي يحقّقها هذا الكتاب هي في كونه يتناول الموضوع بكل إشكالياته عبر الاعتماد على مناهج بحثية مختلفة ومتكاملة ليقدّم دراسة تتعلّق بمصير الأمة العربية التي نشكّل جزءاً منها. كما يضيف إلى حقل العلاقات الدولية مادةً علميةً تفيد في تشخيص التحديات التي يواجهها العرب في إطار وجوب إقامة منظومة للأمن القومي العربي، مع تحديد مكامن الضعف التي تعيق تحقيق هذه المنظومة وإظهار تأثير الأفكار التكفيرية المتطرفة عليها، وعلى الأمن القومي العربي كمفهوم.
بنى مطر دراسته على فرضية أساسية هي تأثير المنظمات المتطرفة على الأمن القومي العربي، ولا سيّما مع استغلال الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها لتأثير هذه المنظمات بحيث تسهّل عليها فرض سياسات تصبّ في مصلحتها في منطقة الشرق الأوسط... وانطلاقاً من هذه الفرضية، تُطرح فرضيتان فرعيتان: الأولى تقول بأن التهديدات الإرهابية للدول العربية حالت دون تحقيق الأمن القومي العربي عبر الدور الذي قامت به التنظيمات المتطرفة في تفتيت الدول وأمنها واستقرارها. أما الثانية فتقول بأن تمدّد تنظيم «داعش» يهدّد سيادة الدول العربية ويقضم من أراضيها.
يدرس تأثير المنظمات المتطرفة على الأمن القومي العربي


وتؤدي هذه الفرضيات حكماً إلى معالجة العديد من الأسئلة والإشكاليات المرتبطة بالتنظيمات المتطرفة: منها ما يتعلق مباشرة بهذه التنظيمات وأسسها الفكرية واستراتيجياتها والتهديدات التي تشكّلها على الأمن القومي العربي، ومنها ما يتعلّق بالأطراف التي أدّت دوراً أساسياً في دعم هذه التنظيمات أو أفادت منها لتحقيق غاياتها في المنطقة، ومنها ما يدرس دور التنظيمات الإقليمية والدول العربية والأمم المتحدة والمجتمع الدولي في مواجهة هذه التنظيمات... وكذلك، يعالج الكتاب كيفية انتهاك سيادة الدول العربية في هذه المواجهة وكيف أفادت «إسرائيل» وتركيا منها، وصولاً إلى معالجة الأزمة السورية التي نقلت الدولة من حال الاستقرار إلى حالة الأمن المتزعزع والمهدد، وقد حوّلت الساحة السورية إلى موقع تخوض فيه القوى العظمى حرباً بالوكالة في ما بينها... كما خاض الكتاب في تفاصيل المواجهة مع التنظيمات المتطرفة في سوريا والمشاركة الفاعلة للجمهورية الإسلامية في إيران وحلفائها ودورها في تحقيق صمود سوريا ومحاربة هذه التنظيمات.
«تأثير المنظمات المتطرفة على الأمن القومي العربي/ داعش أنموذجاً» كتاب يخوض في تفاصيل أحد المواضيع الأكثر حضوراً في تاريخنا المعاصر، ويدرس صعود التنظيمات المتطرفة في العالم العربي واستراتيجياتها، من نشأة السلفية كفكر متطرّف إلى نشأة تنظيم «داعش»، مروراً بالسلفية الجهادية بين تنظيم «القاعدة» والوهابية... كما يخوض في واقع الأمن العربي ومفهومه والتهديدات المحدقة به وخطورة «داعش» عليه، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. وبالتالي، يشكّل الكتاب مرجعاً أساسياً في التحليل السياسي والتاريخي المتعلق بالإرهاب والتطرّف أو بفكرة الأمن القومي وتحقيقها، ويضع حجر أساس متيناً لبناء الجدار المعرفي المتعلّق بكلّ أشكال ووجوه التنظيمات التكفيرية التي لم يكن قد جرى تناولها إلّا لجهة خطرها كتنظيمات مسلّحة قاتلة نظراً إلى طغيان حضور هذا الجانب فيها لفرط وحشيتها، وصعوبة مناقشة مفاهيمها وأفكارها بدون خوض نقاش عقائدي ديني يفصّل جذورها بشكل علميّ ومنهجي.