«فيلمون وهبي الصحافة». هكذا وصف محمود مروّة زميله وصديقه الذي باغته ورحل على عجل. قبل أقلّ من أسبوعين، أصيب وسام متّى بجلطة دماغية استدعت دخوله إلى «مستشفى سرحال» قبل أن يُنقل بعد 24 ساعة إلى «مستشفى رزق» في بيروت، حيث استسلم للموت عن عمر ناهر الـ 43 عاماً. حلّ الخبر كالصاعقة على كلّ المحبّين والأصدقاء ــ وهم كثر ــ على امتداد المعمورة، الذين كانوا مصرّين حتى اللحظات الأخيرة على التمسّك بأمل شبه معدوم بأن يستفيق الصحافي الشجاع والنشيط من سُباته. أمل لطالما اعتبره متّى «وهماً»، كما قالت ملاك خالد على فايسبوك في رثائها لـ «الرفيق» الذي التقته أوّلاً في مصر. بلد زاره الراحل للمرّة الأخيرة في عام 2017، واحتلّ مكانةً مهمّة في قلب وسام، وعشق كل ما يرتبط به. من الشوارع إلى الناس إلى الفنّ... وخصوصاً أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام. متأثّراً بهذا الأخير، حاول أيّام عمله في جريدة «السفير» تعلّم العزف على آلة العود في محاولة للتخفيف من الضغط والتوتّر المرافقَيْن لمهنة المتاعب! أحبّ المحروسة حبّاً جمّاً، حتى طبعت شخصيته التي كثيراً ما توصف بـ «المصرية». حتى في بيروت، هناك من كان يطلق على «الجنرال» وسام متّى صفة «عُمدة المصريين». لم تكن مصر وحدها حبيبته، بل وقع في غرام موسكو أيضاً. كما أنّه تعلّم اللغة الروسية وأتقنها في غضون عامين فقط.

جولة سريعة على مواقع التواصل الاجتماعي تؤكد حجم الأثر، الشخصي والمهني، الذي تركه وسام متّى في نفوس العشرات. فهو الصحافي المجتهد والاحترافي الذي أمسك بيد كثيرين وسار بهم على طريق المهنة. «أبو ضحكة جنان» كان لهؤلاء الأستاذ والصديق ورفيق الأيام... بحلوها ومرّها وجنونها وخيباتها. استحالت السوشال ميديا مساحة للتعبير عن الحزن والصدمة العارمين جرّاء النبأ الأليم، إذ غصّت بالتعليقات والمنشورات والصور التي ترثي متّى وتستذكر صفاته وأفكاره ومواقفه الحاسمة وتفاصيل أوقات قُضيت معه... وُلد متّى في قضاء المتن عام 1977، وهو حاصل على إجازة في الحقوق من الجامعة اللبنانية، ومتخصّص في الشؤون العربية والدولية والسياسة الروسية.
على مدى عشر سنوات تقريباً، راكم تجربة مهمّة في قسم «العربي والدولي» في جريدة «السفير» التي كان انضمامه إليها «حلماً». وبين عامَي 2017 و2018، كان له حضور مؤثّر في قسم «العربي والدولي» في «الأخبار». وكان جزءاً من هيئة تحرير مجلة «180 بوست» الإلكترونية، فيما أسهم في إطلاق مواقع إلكترونية عدّة من بينها «المسكوبية» و«بوسطجي» و«المراسل»...
متى الذي عُرف بخفّة ظلّه وحسّه النقدي و«مشاغبته»، عمل صحافياً ومراسلاً ميدانياً في الشرق الأوسط لوكالتَي «ريا نوفوستي» و«سبوتنيك» الروسيتَيْن لسنوات طويلة. وغطّى أبرز الأحداث السياسية والاجتماعية في هذه المنطقة في الأعوام الماضية، كما شارك في نقل الاحتجاجات والتظاهرات في مصر ولبنان.
بعد المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي عام 2016، وضع وسام خبرته في خدمة الإعلام الحزبي، وانضمّ إلى مجلّة «النداء» كمسؤول تحرير، وأشرف على التحرير في «إذاعة صوت» الشعب بين عامَي 2016 و2017. غير أنّ التجربة التي كان سعيداً جداً بخوضها، لم تستمرّ طويلاً. وكانت له مساهمات في صحف ومواقع ومجلات عربية عدّة، منها «المصري اليوم»، «باحث»، «رصيف 22»، «المنصة» وغيرها.
عمل مراسلاً ميدانياً لوكالتَي «ريا نوفوستي» و«سبوتنيك»


أما على صعيد النشاط السياسي، فقد انضم قبيل عام 2000 إلى الحزب الشيوعي اللبناني حيث عمل في صفوف قطاع الشباب والطلاب ولاحقاً في إطار منظمة الحزب في الجبل الشمالي. وكان عضواً في قيادة قطاع الشباب والطلاب المركزي في عام 2006. أكد الحزب الذي أصدر أمس بياناً أنّه «خلال هذه الفترة، عرفه الشيوعيون كناشط ومناضل. كانت طرائفه وتعليقاته المرحة تسبق مداخلاته ونقاشاته». وأضاف: «شارك في المؤتمر الوطني العاشر للحزب عام 2009، ولم يترك ساحة نضالٍ في السنوات التالية من بعدها إلّا وكان في طليعتها، من حراك إسقاط النظام الطائفي عام 2011 ومن ثمّ الحراك المدني في عام 2015، ومن بعدها انتفاضة 17 تشرين...». وشدّد على أنّ «وسام شيوعي بالفطرة، ومغرم بالثقافة والتعلّم والاكتساب والتزوّد بالمعرفة. ستبقى ذكرى وسام متى حاضرة في عقول الشيوعيين، وكلّ رفاقه وأصدقائه الذين ناضلوا معه، وسنتذكّره مناضلاً فرحاً متفائلاً ومشاكساً، آمن بالتغيير والتقدّم وعمل بجدّ وتفانٍ من أجله، حتى وفاته المبكّرة». وختم البيان أنّه «برحيل وسام متى، خسر الحزب، واحداً من مناضليه الشباب، وهو يعاهده على متابعة المسيرة حتى تحقيق الأهداف التي ناضل من أجلها في تحقيق التغيير الديمقراطي...».
بدورها، لفتت «النداء» إلى أنّ الراحل «شارك في مشروع تحديث المجلّة وتطوير نسختها الورقية وموقعها الإلكتروني، وعمل بتفانٍ وإخلاص حيث رحل عنّا وسام اليوم وهو في عزّ عطائه ونضاله السياسي والاجتماعي والمهني».
أما «المنصة» التي انضم إليها في عام 2019، فأوضحت أنّها فقدت «الصديق الصحافي والمصوّر اللبناني وسام متى... أحد كتّابنا المميزين الذين نعتز بإسهاماتهم معنا. ألقت إسهاماته الضوء على الحراك الشعبي اللبناني في العام نفسه، وتابع في آب/ أغسطس 2020 تداعيات انفجار مرفأ بيروت...».

* يصلّى على جثمان الراحل عند الرابعة من بعد ظهر غد الخميس في «كنيسة الصعود» في منطقة ضبيه. تقبل التعازي قبل الدفن وبعده ويوم الجمعة في صالون الكنيسة من الساعة 11 قبل الظهر لغاية السابعة مساء