اللاذقية | يتحدث العارفون بالشأن الثقافي في اللاذقية عن كانتونات الوسط المسرحي. تكثر حكاياهم عن منافسة مهنية عافتها الأخلاق إذ للشخصنة حضور عند كل خلاف. ويبدو أنّ تجربة «العنبر رقم مليون» لم تستطع أن تنأى بنفسها عن هذا الواقع. إذ فوجئ أكثر من 500 متفرّج كانوا قد تجمهروا على مدخل المسرح القومي، بأنّ العرض الذي جاءوا لمشاهدته أُلغي قبل ساعات قليلة من افتتاحه.
في حديث مع «الأخبار»، تساءل مخرج العمل فرحان الخليل عن السبب الذي حال دون حصوله وفريق عمله، على ظروف تدريب لائقة، مؤكّداً أنّه اضطر للاشتغال على النص الذي كتبه بسّام جنيد في قبو لا تتجاوز مساحته أربعة أمتار مربعة. ويضيف «في المدينة آلاف الجوامع، ومسرحان. حرمنا من إجراء البروفات على خشبتيهما. قوبلت طلباتنا بلاءات تستند إلى جملة من الأعذار الواهية، ولا تخرج عن إطار عداوة الكار». ويتابع مخرج «كاليغولا»: «أنجزنا العرض وتقدّمنا باسم «البيت العربي للموسيقى» بطلب مشاهدة مرفق بموافقة نصيّة ممهورة بختم لجنة قراءة النصوص في «مديرية المسارح والموسيقى» وتمّ تشكيل لجنة مكوّنة من محمّد بصل رئيساً، ولؤي شانا وسليمان شريبا عضوين. نلنا موافقة رسمية تحمل توقيع وزيرة الثقافة لبانة مشوح تجيز لنا حجز المسرح من 4 حتى 7 أيار (مايو). وبناء عليه، نشرنا إعلاناً يتضمن تواريخ العروض ومكان إقامتها، لنفاجأ في اليوم التالي بتقديم أحد أعضاء اللجنة سليمان شريبا، طلباً بإعادة المشاهدة. وانقسمت آراء اللجنة الثلاثية بين رئيس موافق على خروج العرض إلى دائرة الضوء، وبين عضوين رافضين لتقديمه، بحجة احتوائه على إشارات من شأنها أن تشكل حالة تحريضية تسيء إلى الوطن في مرحلة حساسة من تاريخه. وكانت النتيجة أن ألغي العرض بنتيجة تصويت اثنين مقابل واحد».
في كتاب رسمي موجه إلى مدير «مديرية المسارح والموسيقى» عماد جلول، أشار مدير المسرح القومي في اللاذقية محمد بصل، إلى أنّ العرض لا يحتوي على أي صنف من صنوف الإساءة للوطن ورموزه. وفي اتصالٍ معه، قال لنا بصل: «الحرية شرط أساسي لصناعة مسرح صادق. العمل بمنطق الاتهام فضفاض للغاية، ليس في العرض ما يستوجب إقصاءه».
وفي بيان نشره على صفحته في فايسبوك، قال لؤي شانا إنّ اللجنة توجهت إلى مخرج العرض وفريق عمله بجملة من الملاحظات، وطالبت بالاشتغال على تلافيها، ليتبين لاحقاً أنّها لم تؤخذ في الاعتبار. كذلك إنّ حصول فريق العمل على موافقة لجنة قراءة النصوص لا يجيز له تقديم العرض.
يبدو أنّ المكارثية استطاعت أن تجد لنفسها أدوات عصرية في المشهد الثقافي السوري، كثيرة هي المنتجات الأدبية التي هوجمت وصار أصحابها موضع اتهام يتدرّج من عتبة الإساءة والتحريض إلى سقف العمالة والخيانة. وإلى حين التخلص من منهج المنع المستند إلى أمزجة شخصية ورؤى فردانية، يبدو أنّ المثقف السوري مجبر على التعايش مع متحولات رقابية تجعل كل ممنوع في عرف السلطة، مرغوباً وملحاً في وجدان الناس.