لا يخفي إيلي خليفة ميله إلى الأفلام الكوميدية، وهذا يظهر في أعماله السابقة. في حديث مع «الأخبار»، يخبرنا: «منذ البداية، أردت إنجاز فيلم قد أرغب في رؤيته في السينما. أحبّ الأفلام الكوميدية التي تميل في الوقت نفسه إلى سينما المؤلف. حاولت التفكير في كوميديا تبدو فنية. في الأعمال التجارية أو في السينما الهوليوودية، يعلم المُشاهد كل شيء ولا يجد أيّ داعٍ للتفكير. من جهتي، رغبت في إنجاز فيلم كوميدي قريب من البوليسي لأنّ في هذا النوع من الأفلام غموضاً ولا نعرف ما يحصل حتى النهاية. لذا قررت أن تكون بنية الفيلم بوليسية». لم يتبع خليفة طريقة تقليدية للعمل على الفيلم، إذ امتدّ التصوير على نحو 20 شهراً، علماً أنه كان يختار يوماً واحداً في الشهر للتصوير: «كنت أقدّم الطلبات بالتوازي مع بداية التصوير، للحصول على الدعم وأكمل المشروع. لذا وجدت طريقة خاصة للإنتاج، بما أنني أعطي الدروس أيضاً وأستطيع أن أتحمّل التصوير لأشهر عدة. فخصّصت نهار تصوير واحداً في الشهر مع فريق عمل مختصر. لم أحصل في المنطقة إلا على دعم من «إي. أر. تي» التي اشترت حقوق العرض بناءً على السيناريو. عندما شاركت لاحقاً في «مهرجان مالمو» لمرحلة ما بعد الإنتاج، نجحت في الحصول على مساعدة لإنجاز مِيكساج الصوت في تونس. شقّ الفيلم طريقه وحده، وكان العمل عليه سلساً. فالفريق يضمّ عدداً قليلاً من الأشخاص. كما أن الممثلين قدّموا لي وقتهم وحدّدت مواعيد التصوير وفقاً لجدول أعمالهم. وسرعان ما وجد الفيلم طريقه إلى المهرجانات، وها هو يجول فيها وأنا جالس هنا».
بالإضافة إلى الإخراج والإنتاج، يخوض خليفة تجربة التمثيل مؤدّياً دور الشخصية الرئيسية، وهو، كما يشرح لنا، دور فرض نفسه عليه من دون أن يخطط له. عن تجربة التمثيل، يقول: «في البدء، كان الأمر صعباً. لكن الظروف تبدّلت تدريجاً. تركت المَشاهد التي تتضمن حوارات أكثر ثقلاً حتى النهاية وبدأت بتلك الخفيفة أولاً. أجمل ما في الأمر أنني كنت أملك حرية مطلقة وسهولة لأنني كنت أريد أن أصوّر كما أريد. ثم تعلّمت تدريجاً. عاشرت ممثلين رائعين في الفيلم، تعلّمت منهم جميعاً. أعطيتهم النص ولكني كنت منفتحاً على كل الخيارات والاعتراضات. واقترحت التفكير معهم في الشخصيات. هو فيلم حرّ، ولم أشأ أن يكون النصّ المكتوب مفروضاً بحذافيره عليهم». ويضيف خليفة بأن الفيلم فرض نفسه عليه وسارت الأمور بسرعة: «أحبّ أفلام ناني موريتي كثيراً وكذلك أفلام الأخوين كوين، وكيفية تعاملهما مع الشخصيات الثانوية. دعاني الفيلم إلى داخله من دون أن أدري. فأنا لا أنجز «كاستينغ» عادة. واتبعت إحساسي لكي أوزّع الأدوار على من عملوا فيه. كنت أرى الجميع في أدوارهم باستثناء المخرج وسرعان ما رأيت نفسي مضطلعاً بدوره».
الموسيقى تلعب دوراً بارزاً في هذا الشريط الذي يتأرجح بين التجريبي والكوميدي والبوليسي


يتأرجح الفيلم بين التجريبي والكوميدي والبوليسي أحياناً. يعتبر خليفة أن الأمر انعكس بطريقة إيجابية على التوليف الذي «عملنا عليه بالتوازي مع التصوير. بعض مدراء المهرجانات مثل «موسترا فالنسيا» ومهرجان «قابس سينما فن» في تونس أُغرموا بالفيلم. من ناحية أخرى، هناك مهرجانات تجارية جداً لم يفهم القائمون عليها العمل، واعتبروه قادماً من الفضاء».
لا يرى خليفة أن الفيلم يكتفي بتصوير شيء من سيرته الشخصية أو أنه مستوحى من تجاربه الخاصّة فحسب، بما أنه يتحدّث عن مخرج يضيع في عملية إنجاز فيلمه، بل يتعلّق بكل العاملين في السينما: «في لبنان، عندما نبدأ العمل على فيلم، نواجه جميعنا الصعوبات نفسها. نبحث عن منتج ونصبح مهووسين بإنجاز هذا الفيلم، ونتسبّب بالصداع لكل الناس الذين يحيطون بنا ولا نكفّ عن الحديث عن الفيلم كأن لا شيء آخر لدينا في وقت يكون فيه الجميع منشغلاً بأمور أخرى. ويُقال لنا غالباً: لا تحلموا كثيراً، أنتم في لبنان، فكيف تريدون صنع سينما؟ أعتقد أن جميع من يعملون في المجال في لبنان، يعيشون الأمر نفسه. المخرج في الفيلم يعاني ضياعاً كلياً. لا يفرّق بين الشخصيات التي يخلقها وشخصيات الحياة اليومية. وهذا الأمر يُظهر إلى أي درجة يكون المخرج مركزاً على الشخصيات إلى حد يعتقد أنها حقيقية، ويراها في الأشخاص الذين يجلس معهم ويلتقيهم. هذا ما أتحدث عنه في الفيلم عندما تنتفض الشخصيات على المخرج».
خلف غلاف الكوميديا، يرغب خليفة في إلقاء نظرة نقدية أيضاً على العمل في المجال السينمائي والمجتمع عموماً: «عندما ننظر إلى أنفسنا وننظر حولنا، ندرك أننا لسنا طبيعيين. لذا شخصيات فيلمي جميعها غير طبيعية وتعكس حالتنا جميعنا. ألا ترين ما يحصل أمام محطات الوقود؟ عندما سألت صحافية أوروبية في إحدى المقابلات محمود درويش «ما هو أكثر شيء تحسدنا عليه في أوروبا؟»، أجابها: «الضجر». وللأسف هذا صحيح». ويضيف في المقابل: «أعطيت نفسي الحرية التامة لإنجاز فيلم مستقل بما أنني المخرج والمنتج في آن، لكي تكون النتيجة كوميديا خفيفة تتيح المجال لقراءات عدة. فقد يختار بعضهم التوقف عند القراءة الأولى للفيلم، فتكون أشبه بــ«فشة خلق» في عمل خفيف وظريف، وقد يرى بعضهم الآخر فيه أكثر من ذلك. عندما بدأت تركيب هذا الفيلم، استوحيت من عمل أنجزته سابقاً هو «تاكسي سرفيس». اتبعت الطريقة نفسها واتجهت نحو الكوميديا السوداء التي تتمتع في الوقت نفسه بطبقات عدّة».
للموسيقى دور بارز في الفيلم، فهي ترافق المخرج دائماً في السيارة كما أنها حاضرة في الفيلم بطريقة خفية أو مباشرة في الغناء، فتفرض نفسها على المُشاهد كشخصية أخرى تُضاف إلى البقية. في هذا الصدد، يخبرنا خليفة: «عملت عليها بالفعل وكأنها شخصية. هناك الموسيقى التي ترافق المخرج بشكل دائم. نظن أنها في رأسه ولكنها حاضرة معه في السيارة طوال الوقت. هناك أيضاً موسيقى الفيلم الذي عملت عليها مع زيد حمدان، كما سمح لي المايسترو هاروت فازليان باستخدام عزف الاوركسترا في ما يتعلّق بالأعمال الكلاسيكية التي نسمعها. من جهة أخرى، تؤدي ستيفاني عطالله أغنية «قلتلّك خلص» التي تحمل عنوان الفيلم والآتية من خيال المنتج. يتصورها الأخير في رأسه ويكمل فيها».

* «قلتلك خلص»: بدءاً من الخميس 8 تموز (يوليو) في الصالات اللبنانية