تحت التهديدات والرسائل المتوعّدة، قدّمت فرقة «وطن عَ وتر» عرضها أخيراً في مسرح «الميدان» في حيفا المحتلة. الفرقة الترفيهية الفلسطينية التي تتكوّن من عماد فراجين ومنال عوض وخالد المصو ومحمد الطيطي، توظف النكتة السياسية والكليشيهات الساخرة في نقد قضايا اجتماعية وسياسية. قالب «الكباريه» المُستفزّ الذي يُميّز عروض الفرقة، دفع بعضهم إلى توجيه تهمة «الإساءة إلى الإسلام» إليها.
القصّة بدأت حين زار ثلاثة أشخاص مسرح «الميدان»، مطالبين بإلغاء عرض «وطن ع وتر» الذي كان مقُرراً السبت الماضي. وأورد بيان مسرح «الميدان» أنّ المهدّدين شدّدوا على أنّه «إذا عرض المسرح العمل، فهذا لن يرضيهم أبداً». وأضاف أنه «عندما طُولِبوا بتوضيح مقصدهم وماذا سيفعلون في حالة عدم الرضوخ لمطلبهم، أجابوا بأنّهم سيأتون بجماهيرهم وسيحتجون». وطالب «الميدان» الحريصين «على وجه مجتمعنا الحضاري، الحضورَ في موعد العرض لمنع أيّ محاولة للتعدّي وإلغائه». وهذا ما دفع بالمثقفين الفلسطينيين في فلسطين التاريخية إلى وقفة تضامنية أمام مسرح «الميدان» يوم السبت الفائت، تحت شعار «حرية التعبير فوق كل شيء».
قلّة متعصّبة بعثت رسائل التهديد والوعيد لمسرح «الميدان»

المخرج المسرحي عامر حليحل أحد الذين تصدّوا لهذا التهديد. رأى أنّ «هذه هجمة على التفكير والإبداع والحرية. تهديداتهم لا ترهبنا بل تزيدنا صلابة. ككل المنطقة العربية، نمرُّ اليوم بأزمة هويّة، ومن يستخدمون الدين، يستغلون الشقوق في نسيجنا الاجتماعي لتحويلنا إلى مجتمع جاهل ومنغلق وخائف. علينا أن نقف بشجاعة في وجوههم، وإلّا فلا قيمة لنضالنا من أجل حرية الأرض والإنسان». وحذّر الممثل الفلسطيني صالح بكري من أن «المدّ التكفيري وصل إلينا أخيراً ولا بُدّ من صدّه»، وبأن «هذا التهديد جاء على أيدي قلّة متعصّبة في ظلّ غياب صوت إسلامي مناهض ومعتدل من قِبل القادة الإسلاميين في الداخل الفلسطيني. لماذا هذا التجاهل من قبل الأئمة والقيادات الإسلامية؟ هدفنا هو الحرية وأعداؤنا هم أعداء الحرية». ونوّه صالح إلى إلغاء عرض «وطن ع وتر» الشهر الماضي في مدينة عكا المحتلة، بعدما كان مقرّراً تقديمه في قاعة «الأدوتوريوم» التي تجمهر أمامها عشرات الشباب الذين حشدتهم مجموعة «صنّاع الحياة» السلفية للاحتجاج على العرض بدعوى «الإساءة للشريعة والإسلام».
في المقابل، استنكر الموسيقي الفلسطيني الشهير خالد جبران «سياسة كمّ الأفواه هذه»، وخلص إلى أنّ هذه الظاهرة «لا تنحصر بالإسلاميين فحسب، بل صارت تطال أحزاباً وتيارات سياسية منها حركتا «فتح» و«حماس» وحتى اليساريين في فلسطين المحتلة. فمن كان منكم بلا خطيئة فيلرمِها بحجر». وذكر جبران أنّ «وطن عَ وتر» الذي انطلق كمسلسل في رمضان 2008، جاء بتشجيع من «فتح» لانتقاد حركة «حماس» عقب حوادث غزّة عام 2007، لكن حين بدأ المسلسل بتوجيه سهام سخريته إلى قيادات في «فتح» والوفد الفلسطيني المفاوض، أُوقف عام 2011 بأمر من النائب العام في السلطة الفلسطينية.
ولا بد من التذكير هنا أنّ تهديد «وطن ع وتر» يندرج في سياق إلغاء فيلم «المُخلّص» الذي كان مقرراً عرضه الشهر الماضي في بلدتي سخنين (الجليل الفلسطيني) وطرعان (قضاء مدينة الناصرة)، بحجة «مخالفته للعقيدة الإسلامية».