بعد عشرة أعوام تماماً على بدء شون بن مسيرته التمثيلية؛ التحق الممثل الأميركي بركب المخرجين عام 1991. لكن غالبية الأفلام التي أخرجها، لم تماثل جودة الأفلام التي مثّلها، ما عدا فيلمه «العهد» (2001) الذي شكّل تحفة فنية بجميع المقاييس. بطولة جاك نيكلسون في هذا الفيلم تحديداً لم تكن عادية، هنا قدم أحد أفضل أدواره على الإطلاق.لن نخوض في قصة الفيلم، وهذا ليس ترفاً أو لعبة إعلانية تحفيزية. على الإطلاق. لكي نعيش تجربة «العهد» القصوى؛ يجدر بنا مشاهدته من دون فكرة مسبقة عن المضمون. البداية الكلاسيكية والملامح التشويقية لا تفي الفيلم حقه، إنه يتعدى هذه المؤشرات. هو دراما ممتلئة بالحزن، آثار مأساة يونانية محفورة في الصميم، وحطام نفسي وعقلي في قالب جريمة وعقاب. يبدأ الفيلم من نهايته، من مشاهد شبه سعيدة، من نتيجة لم تقنع المحقق جيري بلاك (نيكلسون) الذي يأخذ على عاتقه مهمة البحث عن الحقيقة، وقد يتضح أنّ جيري لا يلاحق إلّا وهماً. يستثير درب التنقيب عن الحقيقة شعوراً باليقظة الدائمة، هو القلق الملتصق بجنون العظمة، حيث الثقة معدومة بجميع من يحيطون به حتى بعد تقاعده، والشك الذي لا ينتهي بسبب التفاصيل التي يخفيها الجميع لخوفهم من الخيوط التي يجمعها. هو الهبوط إلى الجحيم بحثاً عن «القاتل»، شعور مجنون مبهم بأنّ القاتل لا يزال طليقاً يحفّزه وعد قطعه.
يأخذ شون بن مساراً ميتافيزيقياً وأحياناً دينياً زائفاً، فيقع فيلمه في أتون نار العاطفة وعنف الجنون، هو انعكاس لطبائع نيكلسون التي جسّدها عبر شخصيته المرتابة المعتوهة أحياناً. يستثمر بن في السرد الملتوي، الميت في بعض الأوقات، فيأخذنا بعيداً عن القصة الرئيسية ثم في لحظة يعيدنا إلى صميمها بعبقرية وخفّة.
نظن أننا نعرف النهاية منذ البداية، لينتهي بنا الفيلم إلى ضياع، إلى نهايات كثيرة، إلى توق أكثر، إلى سؤال عن المزيد.. لسبب واحد فقط هو أننا نريد العدالة. ولكن ألم تتحقق العدالة؟ وهل هذه العدالة شافية؟