أن يقرّر سياسيّو لبنان الالتحاق بركب التطوّر وإنشاء حسابات رسمية على صفحات التواصل الاجتماعي، فهذا ليس غريباً. على من عاصر أجيالاً عدّة متناوباً مع زملائه على «الكرسي» أن يخرج من «قمقم» التقليد، ويجدّد خطاب السياسي ووسائله. لكن حالما يجول المرء في الصفحات الرسمية للسياسيين، حتى يتبدّد مفهوم «اللحاق بركب التطوّر».يلاحظ بأنّ تلك الصفحات هي وسيلة إضافية لبعث الرسائل التقليدية، لا لتطويرها والتفاعل مع جمهورها. هل يؤمن سياسيو لبنان فعلياً، بأهمية وسائل التواصل الاجتماعي وما تخلقه من جوّ تفاعلي في المجتمع؟ وهل يدرك هؤلاء آلية التواصل على تلك المواقع ومميزاته؟ أم أنّ هذه الحسابات ليست إلا «موضة» درجت بين الجميع وأدرجوها ضمن وسائل «ترويجهم السياسي».

إذاً، الوجود السياسي اللبناني على مواقع التواصل مشبوه لناحية إدراك أهميته ودوره. أوّل من غرّد على تويتر كان النائب السابق مصباح الأحدب في 13 أيلول (سبتمبر) 2009. لحق به في العام التالي الرؤساء ميشال سليمان (8 نيسان 2010)، رئيس الحكومة السابق سعد الحريري (8 أيار 2010)، ونجيب ميقاتي (22 حزيران 2010)، وفؤاد السنيورة (20 أيار 2010).
استراتيجية 14 آذار
في الإعلام الجديد أكثر كفاءةً من 8 آذار
وفي العام نفسه أيضاً، سجّلت مشاركات النواب سليمان فرنجية (6 نيسان 2010)، غسان مخيبر (9 أيار 2010)، ورئيس حزب «القوات» سمير جعجع (23 آب 2010). بعد ذلك، اتسعت قافلة السياسيين افتراضياً لتبلغ ذروة المشاركة عام 2012. وهنا، لا بد من استنطاق التواريخ لما لها من أهمية. على سبيل المثال، أنشأ الرئيس تمام سلام أول هوية افتراضية له في 25 تموز 2013، أيّ عقب التكليف الحكومي له مباشرة. أما الوزير أشرف ريفي، فقد أنشأ حساب تويتر في 3 حزيران (يونيو) 2013، أيّ خلال المشاورات لتأليف الحكومة. ويبدو أنّ وزير الاتصالات بطرس حرب لم يكن يدري شكل مواقع التواصل قبل توزيره. أوّل تغريدة له كانت بتاريخ 20 شباط 2013، أيّ بعد التوزير ببضعة أيام. مثله مثل وزير البيئة محمد المشنوق، فقد دخل عالم تويتر في 10 تشرين الثاني 2013، فور طرح اسمه للتوزير. على الصعيد النيابي مثلاً، أنشأ كل من جان أوغاسبيان (22 تموز 2013)، طلال ارسلان (16 حزيران 2013)، الياس سكاف (6 حزيران 2013)، وأشرف ريفي، أيضاً حسابات خلال الفترة الممتدة بين انتهاء ولاية المجلس النيابي والتمديد له.
ذاك كان من ناحية التواريخ. أما في المضمون، فحدّث ولا حرج. ناهيك عن الواقع الذي يقول إن أغلب الحسابات السياسية الافتراضية يقودها فريق عمل من دون أن يطّلع السياسي شخصياً على كيفية التواصل مع الناس، فإنّ المضمون الذي يعتري الصفحات دليل على الروحية السائدة. على تويتر مثلاً، تجتاح التغريدة (Tweet) الصفحات، بينما نلحظ غياباً شبه تام لأي «إعادة تغريد» (Re-tweet)، أو إجابات. بمعنى آخر، يحرص السياسيون على إيصال رسائلهم إلى المتابعين بينما يتجاهلون أهمية التفاعل معهم والتماس أجوائهم.
في حديث لـ«الأخبار»، وتعليقاً على الوجود السياسي الافتراضي، يقول الأكاديمي والباحث جمال واكيم «بتقديري، أشار البعض على السياسيين باستخدام هذا الوسائل»، متسائلاً «لماذا غالبية روّاد هذه المواقع من سياسيين هم من فريق 14 آذار؟» يعتبر واكيم أنه «لا يمكن تغافل العامل الأمني لدى فريق 8 آذار، تحديداً «حزب الله». غياب الأخير عن هذه المواقع ليس نتيجة جهل أو عدم دراية بهذه الوسيلة، بل أمنيّ بحت. هذا يحول دون إنشاء صفحة خاصة بالسيد حسن نصر الله على تويتر مثلاً». كما يؤكّد أن «هذه الهواجس أصبحت مثبّتة نتيجة ما كشفه إدوارد سنودن بأن تلك المواقع (فايسبوك وتويتر وغيرهما) مرتبطة مباشرة بمجلس الأمن القومي الأميركي».
ويستكمل «أما بالنسبة إلى السياسيين من «التيار الوطني الحرّ»، فهم موجودون بكثافة نتيجة وعي وإدراك لأهمية وسائل التواصل والإعلام الحديث»، مشيراً إلى أن «هذا الحضور الفعّال هو نتاج ثقافة ومبادرة شخصية». ولا يستغرب واكيم نشاط الوزير السابق نقولا صحناوي، قائلاً «هو شخص ناشط تكنولوجياً منذ التسعينيات، ولا أستغرب نشاطه الإلكتروني». أما في ما خص فريق 14 آذار، فهم بحسب واكيم «عملوا بنصيحةٍ أتت من بعض الدوائر، تحديداً لدورها الإعلامي». كما يعتقد «أن هذا الفريق يتبع نصيحة معينة تقضي بضرورة الوجود على هذه المواقع والتنسيق في هذا الشأن». ويضيف: «يمكنني أن أقدّر أن بطرس حرب، ووزير العدل أشرف ريفي أو سلام دخلوا عالم التكنولوجيا بناءً على نصيحة فريق عمل من «شركات العلاقات العامة» التي تضع استراتيجيات ونصائح إعلامية، وليس من منطلق معرفة وتقدير شخصي». ويختم واكيم: «لا يمكن إنكار أن استراتيجية 14 آذار في الإعلام الحديث ما زالت أكفأ من مجموعة 8 آذار الذين يكتفون بالمبادرات الشخصية»، معتبراً أن «أعضاء الفريق الأخير «كلّ يغني على ليلاه، فيما يستثمر الفريق الأول النصائح في البروباغندا والترويج السياسي». إذاً، كُتب لوسائل التواصل الاجتماعي في لبنان التي تقوم بالأصل على أساس التفاعل، أن تكون وسيلة ترويج ودعاية سياسية لبعض «زعماء البلد» ليس إلا.