مع تبدّي علامات الانهيار المالي والاقتصادي في لبنان، قبل دخولنا العام الحالي، بدأت حركة الهجرة أو نزوح مراسلين وإعلاميين من مكاتب محلية الى أخرى إقليمية أو أجنبية بحثاً عن الـ«فريش دولار». هذا ما حصل في lbci، مع ريما عساف، وليال الاختيار، و«الجديد» مع جويل الحاج موسى. بعضهم اكتفى بنزوح محلي كما فعلت مراسلة otv، سابقاً جوزفين ديب، التي اتجهت الى «الجديد»، وباتت تظهر في نشرات الأخبار والبرامج الحوارية. هجرة أسماء قد تكون معروفة على الشاشة، وأخرى في العتمة، سارعت بدورها الى أحضان مؤسسات أخرى، من مصورين وتقنيين، وجدوا فرصة «خلاص» لهم في هذه المؤسسات. انهيار الليرة اللبنانية، ومعها باقي مقومات الدولة، انعكس بالطبع، على الإعلام المحلي، الذي أخذ يتلون ويروج تبعاً للتمويل السياسي الظاهر منه والمخفي. لم يعد مهماً هنا، السؤال عن أسباب التلون والانتقال السياسي من ضفة الى أخرى، أو حتى تكريس مساحات تلفزيونية واسعة إما للدعاية السياسية أو للأبلسة، طالما أن الأسباب باتت واضحة، وربما تبررها هذه القنوات نفسها! هكذا، أضحينا، أمام خيارين أولهما «الصمود» في المؤسسة الإعلامية عينها، مع الانزلاق صوب الأجندات المدفوعة بشكل فاقع، وهذا الأمر لاحظناه مع تحوّل العديد من المراسلين والمقدمين على الشاشات الى مجرد روبوتات ينفذون ما يطلب منهم، من أسئلة ومقاربات سياسية للضيوف، هدفها توسيع رقعة البروباغندا السياسية ضد شخصيات أو أحزاب، تفتح عليها النار في الوقت الحالي. ظاهرة تهدد استقلالية وشخصية كل مراسل أو مذيع، باتت تتحكم فيه غرف الأخبار وما خلفها. أما الخيار الثاني، فيكمن في الهجرة أو السعي اليها، كما بات واضحاً. من أجل تحصيل ربما هذه الخطوة، المطلوب من الإعلامي أو العامل في هذا الحقل، أن يغدق على صفحاته التفاعلية عبارات الثناء والتزلف على هذه الدولة أو تلك، علّه يحصل على مكرمة أو عرض عمل «ينجيه» من واقعه المأزوم في لبنان، أو إقامة ذهبية ربما. في الأشهر الماضية، شكلت منصة «بيروت انترناشيونال» التي يملكها بهاء الحريري، المثال الأبرز على استقطاب عاملين وإعلاميين من جهات سياسية مختلفة، ووضعهم في مساحة واحدة، واغرائهم بالمال والدولارات، وايضاً تكريس برامج أحادية لهم. المنصة التي بدت في كثير من الأحيان كالغول تبتلع من حولها، تجاوز عدد برامجها اليوم العشرين، عدا تلك التي تتشارك فيها مع lbci. الناظر في هذه البرمجة، يلحظ حتماً انضمام المزيد من الوجوه اليها، من عالم نشرات الأخبار أو السوشال ميديا، أو حتى الترفيه وعالم التحقيقات التلفزيونية. في المحصلة، نحن أمام ما يمكن تسميته عملية ممنهجة لتجويف الإعلام المحلي من كوادره بسبب عملية الاستقطاب الجارفة التي وجدت لها سبيلاً مع الأزمة الاقتصادية الخانقة في البلاد، والمرجّح أن يعلو منسوبها في الفترة المقبلة. ويبقى الخطر الأبرز كامناً في عملية تدجين هؤلاء سياسياً داخل مؤسساتهم، في انتظار، ربما، أن يجدوا الطريق عينه لمن سبقوهم من زملاء!