فيما يزداد لبنان غرقاً في انهياره المالي والاقتصادي، وتسوء أحوال الناس، وتتوزّع اتهامات المسؤوليات على الطبقة السياسية استنسابياً في ظل التراشق الإعلامي والسياسي الحاصل في البلد، تُخرج mtv، في هذه الأوقات العصيبة من جعبتها «الحل السحري»، الذي يكمن في تحويل لبنان إلى فيدراليات مقسّمة طائفياً. المشروع القديم الذي تجدّده قناة المرّ اليوم عبر برامجها ونشراتها الإخبارية، بدا في الأسابيع القليلة الماضية، طرحاً مفروضاً على شاشتها وتعمل جاهدةً لتسويقه.

القصة بدأت مع فقرة «خطأ شائع»، التي بثّتها القناة في الأشهر الماضية، وحملت مضامين خطرة وسامة، ساقها الأكاديمي في العلوم السياسية هشام بو ناصيف، وراحت تؤبلس المقاومة وتدعو إلى التقسيم والفيدرالية. الفقرة التي بدأ بثّها في آذار (مارس) الماضي، تكرّر عرضها، في حلقة «صار الوقت» في العاشر من حزيران (يونيو) الحالي التي خُصصت للحديث عن الفيدرالية، واستضافت بو ناصيف، إلى جانب الرئيس الأسبق لـ «القوات» فؤاد أبو ناضر، والناشط السياسي أياد بستاني، والأكاديمي حارث سليمان. حلقة وعد مارسيل غانم ضيوفه والمتابعين، بتكرارها مرة جديدة بعد أسابيع قليلة، مع «شغل» ميداني هذه المرة. الحلقة انطلق منها غانم بُعيد خطاب الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، وتلويحه باستجلاب محروقات من إيران، في حال استمرت طوابير الذلّ أمام المحطات، ودشّن من خلالها حملة شرسة، على «حزب الله» وإعلان بأن لبنان بات «تحت الاحتلال الإيراني». حملة ما فتئت أن توسّعت على بعض المنابر الإعلامية والافتراضية، تحاول تصوير لبنان على أنه واقع تحت «الوصاية الإيرانية». شكّل هذا الأمر، مدخلاً مدعماً لغانم وضيوفه، لتثبيت هذه الحملة. الحلقة، استعانت بوجوه سياسية وأكاديمية راحت تتقاسم وجهات النظر نفسها، فيما خُصص الجزء الثاني من الحلقة لحارث سليمان، وكان الأخير الصوت المختلف عن البقية المتحلقين حول طاولة «صار الوقت»، إذ اعتبر أن الطروحات المقدمة من قبلهم لا تعدو كونها تندرج في الماضي البعيد ولا تناقش فعلياً مستقبل لبنان.
تروّج القناة للتقسيم في البرامج والنشرات الإخبارية


في هذه الجوقة التي فُرضت على اللبنانيين، حاولت ربما عدم إخافتهم، بتحييد كلمة «تقسيم» واستخدام الفيدرالية، علماً أنّ الخريطة التي عُرضت في البرنامج وحتى في مضمون النقاش، كنا فعلاً أمام تقسيم إداري وطوائفي ومناطقي واضح، وأيضاً إنهاء أي صلة لطرح الفيدرالية بالمسيحيين، ومحاولة القول بأن هذا الطرح غير محصور بطائفة معينة، إلى جانب طبعاً استباق غانم للجدل الذي سيتبع حلقته، بالسخرية من منتقديها، الذين سيضعونه ضمن «العمالة لإسرائيل»! طبعاً، في طيات هذه النقاشات وأهدافها: سلاح «حزب الله» في الدرجة الأولى، الذي تنطلق منه هذه الحلقة، وتصويره على أنه بسلاحه «يهيمن» على الدولة، وعلى باقي الطوائف، ما أسبغ بهذا المنطق مسألة «شرعنة» قضية الفيدرالية. إذاً، في خضمّ الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها لبنان، والانقسام السياسي الحادّ، وأيضاً زيادة منسوب الغضب على الطبقة السياسية التي أوصلت البلاد من خلال المحاصصة والفساد إلى ما وصلنا إليه، تتسلّل mtv، لإعادة طرح هذا المفهوم، كحل بديل عن هذا النظام الحالي، وأيضاً بهدف «إزالة الخوف» لدى الطوائف وإعطائها حرية في إدارة شؤونها كما ردّد فؤاد أبو ناضر. إذ يعتبر هشام بو ناصيف أن «اتفاق الطائف» قد انتهى بعد مرور ثلاثين عاماً على توقيعه، في ظل عدم تطبيق بنوده، ويعتبر بذلك اتفاقاً محكوماً بـ «الفناء». إلى جانب هذه الحلقة، التي نصّبت نفسها كمنصة إعلامية لإطلاق المشروع والترويج له، حضرت أول من أمس، الفكرة عينها، في تقرير بُث في نشرة الأخبار، تحت عنوان «هل يكون العلاج بالفيدرالية؟» (إعداد أنطون سعادة). التقرير، الذي يُستهل بتوطئة عن التصدع الذي أصاب لبنان، جراء أزماته المتتالية، يدخل مباشرة، إلى اقتراح هذا «الحل» أي الفيدرالية، بعد أن يهوّل بأن حرباً أهلية ستحصل قريباً وحاجة لبنان إلى عقد اجتماعي جديد، عبر تحوله من دولة مركزية إلى فيدرالية. التقرير بطبيعة الحال، روّج لما يُسمى «الهيئة العامة للمؤتمر الدائم للفيدرالية»، عبر استضافة منسقه ألحان فرحات، وبعض أعضائه، بهدف إقناع اللبنانيين بجدوى الكانتونات. والملاحَظ في التقرير إقحام «حزب الله»، باعتباره يقع ضمن «المعازل الطائفية والميليشيوية» وأوجد نفسه في ظل حروب متتالية على لبنان منذ الثمانينيات، وأصبح بمثابة «دويلة»، لها جيشها وعلاقاتها الخارجية ومرافقها العامة. وانطلق المُعدّ من هذه السردية الممزوجة والمكرّرة إعلامياً لأبلسة الحزب، والجزم باستحالة قيام الدولة، في ظلّ مشروع مماثل. حتى إنّ المطالبة بسحب سلاحه، ستؤدي إلى «حرب أهلية». لذا في ختام التقرير، يقترح علينا المعدّ، «إحياء فكرة تقرير كل مكوّن لبناني لأسلوب الحكم الذاتي الذي يريده»، طبعاً من خلال نظام الفدرلة! هكذا، تعيد المحطة إحياء أفكار مرّ عليها الزمن، من خلال طرح مسبق لـ«القومية المسيحية»، واليوم تُغلف بشعارات «تقدمية» تحاول تعميم الحاجة إلى التقسيم على جميع الطوائف أسوة بما حصل في سويسرا والولايات المتحدة وغيرهما من البلدان، فيما تدخل في عمق هذه الطروحات الخطرة حالياً، أجندات سياسية واضحة تتعلق بسلاح المقاومة، وأيضاً، بإعادة تعويم ذهنيات نمت وكبرت في زمن الحرب، وتحاول المحطة فرضها اليوم على الواقع الحالي.