في كتابها «أخبار خديجة بنت خويلد في المصادر الإسلامية: أبنية السرد والذاكرة والتاريخ» (المعهد الألماني للأبحاث الشرقية في بيروت ضمن سلسلة «نصوص ودراسات بيروتية») هو أساساً أطروحة مريم سعيد العلي لنيل الدكتوراه في الجامعة الأميركية في بيروت بإشراف طريف الخالدي، فيما تتوجّه بالشكر إلى ماهر جرّار، لترؤّسه لجنة الأساتذة المراجعين لأطروحة الدكتوراه، وقد رفعته إلى روح والدها «البهيّ والسعيد». كتاب ينظر في أخبار خديجة بنت خويلد، زوج النبيّ الأولى؛ تروي المصادر أنها تاجرة ثريّة اشتغل النبي في تجارة لها ثمّ تزوّجها، وهي كانت أولى زوجاته التي لم يتزوّج غيرها حتى وفاتها، وأُمّ أولاده وأوّل من آمن برسالته. وتُخبر المصادر أن زواجها منه دام ربع قرن، انقضى منها خمسة عشر عاماً قبل مبعثه وعشرة أعوام من بعده تقريباً، وأنها توفيت قبل هجرته من مكّة إلى المدينة بثلاثة أعوام (3 ق. ه./ 619م). في 297 صفحة من القطع الكبير، تعرض مريم سعيد العلي حياة خديجة في سردية الإسلام الكبرى، ضمن المادّة السرديّة المتوافرة في المصادر وأنواع المصادر وحبكة السرد وتوالي تنويعات الأخبار، والخبر المُسند والاحتفاء بالذاكرة، وصولاً إلى السيرة النبوية وسيرة خديجة فيها. فالزواج من النبي، فأُمّ المؤمنين، وأمّ أولادها من النبيّ ومن غيره، فالصدّيقة، إلى خديجة في حديث عائشة زوج النبي بعد خديجة، إلى اسم خديجة فخراً، إلى مزاياها وتعظيم النبيّ.
تردّنا الباحثة إلى الأخبار المدوّنة في المصادر الإسلامية المبكرة


مقولة العلي ها هنا في كتابها الموثّق هي أنه من خلال مقاربة منهجيّة جديدة تأخذ بالأخبار كوحدات سرديّة يُعاد تسريدها وتركيبها وتوظيفها على الدوام داخل حبكات سرديّة في أنواع مصادر مختلفة، فإنها تسعى إلى الإجابة عن أسئلة من مثل: كيف رأى المسلمون زوج نبيّهم الأولى؟ كيف استحضروها في وعيهم الجماعي؟ كيف تطوّرت هذه الرؤية عبر العصور؟ هل لنا أن نتلمّس اليوم خديجة التاريخية؟
كتاب مريم العلي إذن محاولة موفّقة في تقصّي شخصيّة خديجة بنت خويلد بهيئاتها السردية المختلفة في أنواع كتب متغايرة على مدى حقبات متتابعة للإجابة على السؤال الأساسي: أيّ خديجة نجدُ في المصادر؟
تردّنا الباحثة إلى الأخبار المدوّنة في المصادر الإسلامية المبكرة، فترصد حياة خديجة في زمنين، الأول في الجاهلية، والثاني في زمن مبعث زوجها نبياً وما بعد في الفترة الأولى من عمر الرسالة الإسلامية. وهذان زمنان يجرّان خلفهما أحمالاً ثقيلة من الإشكاليات التاريخية والقِيمية والمعرفية. وعليه ترى العلي أن من الصعب أن يخترق من يبحث عن حقيقة خديجة حُجُبَ الماضي المتراكبة وأن يتصالح مع الإشكاليات المختلفة اللصيقة بنصوص أخبارها المتوافرة في تلك المصادر المبكرة، وتستنتج تالياً أن تلك الأخبار أدوات نصّيّة ثقافية حيوية أسهم نقلها وتنقيحها وشرحها في أن تُخلقَ لكلّ زمن ولكلّ خديجته ولكلّ طريقته في تبنّيها كجزء من ذاكرته وتصوّراته المختلفة عن المرأة المسلمة. وإذا كانت صبغة كل نصّ موروث في كل مرة يُنفض عن ذاك النصّ غبار الماضي، بتغيّر العقول والعيون والأيادي، فالتراث لا يُعَرّفنا بخديجة بقدر ما يعرّفنا بذواتنا، ويشكّلها.
هذا كتاب فخرٌ للبحث في أخبار خديجة بنت خويلد، فصاحبته وفدت صبيّة يافعة ومقدامة إلى أميركية بيروت في 2006 وأنا في دائرتها العربية معها. وها اليوم بعد 15 عاماً مريم أستاذة جامعية في اليسوعية وأنا قارئها هانئ في تقاعدي أحمد ربّي أني بعيد عن التعليم، لا من بعيد ولا من قريب، فالجيل الناشئ في يده الأمر.
* كاتب فلسطيني