القاهرة | آلاف الأعمال السينمائية والمسرحية والتلفزيونية أُنتجت في مصر على مدار أكثر من مئة عام. تلك الأعمال ضاع الكثير منها لأسباب متعددة، مثل بيعها أو تهريبها خارج البلاد، وأحياناً تلفها أو حرقها، بخاصة مع غياب أرشيف يحافظ عليها. بعد ظهور منصات الستريمينغ، باتت هناك فرصة عظيمة لحفظ ومشاهدة ما تبقى من التراث الضائع، من أفلام ومسلسلات ومسرحيات.[اشترك في قناة ‫«الأخبار» على يوتيوب]
ولكن عندما نتأمّل الأعمال المصرية التي تُعرض على المنصات، ومنها مثلاً نتفليكس، نجد أنها تعرض عدداً من أضعف الإنتاجات التي قدمتها السينما والدراما المصرية، باستثناءات قليلة جداً لبعض المخرجين المتميزين. في ما عدا ذلك، تغرق القائمة التي تضم اسم مصر في أفلام كوميدية ضعيفة وأغلبها يمكن أن نقارنه بـ «أفلام المقاولات»، أي أعمال ركيكة المحتوى، هزيلة الميزانية تُنفّذ على عجل، ظهرت في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وكان الهدف منها تعبئتها على شرائط فيديو وبيعها في الأسواق الخليجية بهدف التسلية والضحك وتمضية وقت لطيف.
في قائمة أفلام ومسلسلات مصرية على نتفليكس، ستجد نفسك أمام الآتي: «أفلام كوميدي». وتحت هذا التعريف ربما، تتعثر ببعض الأفلام الجيدة لأحمد حلمي وأحمد مكي، وقد يسعد الأطفال والمراهقون بوجود أفلام تامر حسني ورامز جلال. لكن إذا كنت من عشاق محمد هنيدي أو محمد سعد، سوف تبحث عن أعمالهما الجيدة التي قدّماها في أعوام بطولاتهما الأولى مثل «صعيدي في الجامعة الأمريكية» و«همام في أمستردام» أو «اللمبي» و«اللي بالي بالك» و«عوكل»، ولن تجدها. بل ستجد أفلامهما الحديثة التي بدأ معها هبوطهما التدريجي إلى القاع.
تغيب تماماً أفلام كبار المخرجين أمثال صلاح أبو سيف، هنري بركات، كمال الشيخ، عاطف الطيب، خيري بشارة


تعرض عليك نتفليكس مجموعة كبيرة جداً من الأفلام التي من المؤكّد أنّك لم تسمع بها من قبل، طبعاً وأقصى مدة عرض لأنجح واحد منها لم تتجاوز الأسبوع الواحد في قاعات السينما، وأغلبها لم يُعرض من الأساس، فهل مرّت عليك مثلاً من قبل أفلام مثل «الرجل الأخطر»، و«عنتر وبيسة»، و«آمان يا صاحبي»، و«قسطي بيوجعني» وغيرها من الأسماء التي تضاهي أفلام المقاولات في عناوينها وربما تتفوّق عليها؟
لن تجد على نتفليكس ما يستحقّ المشاهدة من الأعمال المصرية سوى عشرة أفلام للمخرج يوسف شاهين وأربعة ليسري نصرالله، وفيلمين لداود عبدالسيد، وفيلم واحد لكل من محمد خان وأسامة فوزي ورضوان الكاشف، وقليل من الأفلام حديثة الإنتاج التي لاقت بعض النجاح النقدي. في المقابل، تغيب تماماً عن قوائم نتفليكس أفلام كبار المخرجين أمثال صلاح أبو سيف، هنري بركات، كمال الشيخ، عاطف الطيب، خيري بشارة وغيرهم.
الأمر نفسه يتكرر مع المسلسلات، التي لا يتوافر منها سوى بعض الإنتاجات الحديثة القليلة المتوسطة فنياً. أما المسرحيات، فقد اكتفت نتفليكس بعدد قليل من المسرحيات الشهيرة مثل «ريا وسكينة»، «العيال كبرت»، «مدرسة المشاغبين» و«شاهد ما شفش حاجة». ولا أعمال يحيى الفخراني وأسامة أنور عكاشة أو محمد صبحي ولينين الرملي أو غيرها من الأعمال الكلاسيكية في تاريخ الدراما والمسرح المصريين.
ورغم أن نتفليكس تقوم بالإنتاج والمشاركة في إنتاج عشرات الأعمال في الدول الأوروبية وأميركا، إلا أن المنصة المشهورة لم تشارك في أي إنتاج مصري حتى الآن سوى في عملين فقط خلال ثلاث سنوات هما مسلسل «ما وراء الطبيعة» والبرنامج الهزلي «دراما كوين» الذي تؤدي بطولته الدمية «أبلة فاهيتا». كما تم الإعلان عن حلقات مسلسل عن المطرب عمرو دياب. عدا ذلك، لم يتمكّن منتجو مصر من إقناع حليف هائل مثل نتفليكس يمكن أن يسهم في إنتاج أعمال أفضل. ولم تحاول نتفليكس من ناحية أخرى أن توسع دائرة بحثها عن الأفلام المصرية، ربما تجدها في دولة خليجية ما، أو معبّأة في صناديق تحت السرائر في بيوت ورثة المنتجين الذين لا يهتمون بأمر إرثهم ويتعاملون معه على أنه «كراكيب»، أو في المخازن تنتظر من يعثر عليها ويرممها ويقوم بتوزيعها وعرضها.