إلى جانب شقيقه الذي استُشهد قبل 16 عاماً، ووري الصحافي يوسف أبو حسين (1989)، في الثرى بعد استهداف الاحتلال الإسرائيلي منزله فجر الأربعاء الماضي، في «حي الشيخ رضوان» (شمال غزة). الصحافي الذي يعمل في إذاعة «صوت الأقصى»، كان على موعد في يوم استشهاده مع تقديم برنامجه «حدث في مثل هذا اليوم»، لكنه سرعان ما أضحى الخبر والحدث، وانتشرت صوره مبتسماً على مواقع التواصل الاجتماعي وسط حالة من الوجوم والاستنكار من قبل زملائه. بذلك، ينضم الصحافي الشاب الذي استُهدف عمداً من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى قافلة استهداف الأطقم الصحافية في غزة وفلسطين، إذ يُعدّ الشهيد الصحافي الثالث بعد استشهاد الصحافي عبد الحميد الكولك، يوم الأحد الماضي، بعد قصف قوات الاحتلال منزله في غزة، واستشهاد أيضاً عبد المنعم شاهين الأسبوع الماضي، بعد تعرّض قرية «دير البلح» وسط قطاع غزة إلى القصف. صحافيون ارتقوا إلى درجة الشهادة، في سياق يتعمّد فيه الاحتلال إخراس الأصوات الإعلامية وحجب الصورة عما يحصل من فظائع في غزة، بعد منعه الأطقم الإعلامية الغربية من الدخول إلى القطاع، ومحاصرته لمن بقي في الداخل، إما عبر استهدافه مباشرة، أو عبر تهديم المكاتب الإعلامية، وقطع الخدمات عنها من كهرباء وإنترنت. فقد سجّلت «لجنة دعم الصحافيين» في هذا الخصوص 78 انتهاكاً إسرائيلياً في قطاع غزة، طاولت المؤسسات الإعلامية. دمّر الاحتلال 26 مكتباً ومؤسسة إعلامية جراء استهداف مقاتلاته الأبراج السكنية (الشروق والجلاء والجوهرة)، التي تضم هذه المكاتب، عدا تدميره تسع شركات للإنتاج الإعلامي والمطابع والمكتبات. ووثّقت اللجنة، إقدام الاحتلال على تدمير 12 منزلاً لصحافيين وإعلاميين بشكل جزئي، إضافة إلى استهدافه السيارات التابعة للأطقم الصحافية، التي كانت مركونة إلى جانب الشقق والأبراج المستهدفة إسرائيلياً. في مدينة القدس والضفة المحتلتين، لم يكن المشهد مختلفاً، مع تسجيل 52 إصابة بالرصاص المطاطي وقنابل الغاز والاعتداء بأعقاب البنادق طاولت الصحافيين الذين كانوا يغطّون جرائم الاحتلال في حي «الشيخ جرّاح»، وأثناء مواكبتهم للمسيرات المناهضة للاستيطان في الضفة الغربية المحتلة، عدا حملات الاعتقال والاحتجاز التي طاولت الصحافيين وهدفت إلى إبعادهم عن مدينة القدس.
سجّلت «لجنة دعم الصحافيين» 78 انتهاكاً إسرائيلياً في قطاع غزة، طاولت المؤسسات الإعلامية


استهداف برج «الجلاء»
يوم السبت الماضي، كنا أمام مشهد تلفزيوني حيّ لقصف عدواني مباشر من قبل قوات الاحتلال طاول برج «الجلاء» (12 طابقاً) الذي كان يضم 23 مكتباً ومؤسسة إعلامية عربية وأجنبية. وقتها، أمهل الاحتلال سكان المبنى دقائق قليلة، لإخلائه. دقائق لم تكن كافية، لحمل سنوات من العمل الصحافي، ومن توثيق جرائم الاحتلال في غزة، التي تخطّت الـ15 عاماً. قامت «إسرائيل» بتدميره في دقائق، أمام مرأى العالم، بدكّه بالصواريخ إلى حين سقوطه كاملاً على الأرض، محقّقة بذلك مسحاً للذاكرة الصحافية وطمساً بالتالي لكل جرائمها المرتكبة في القطاع المحاصر. حادثة على هولها، لم تهز العالم، وذاك الذي يدّعي حماية الحريات الصحافية، فكنا أمام سلسلة بيانات استنكار، اتسمت بالخجل والمواربة، وبلغة دبلوماسية حيال إجرام كيان الاحتلال. حتى من قبل المؤسسات الأميركية التي طاولها القصف والمتمثلة في وكالة Associated Press، الذي اكتفى رئيسها التنفيذي غاري برويت بالتعبير عن ذعره وصدمته حيال ما حصل للبرج المدمر ولمكاتب وكالته هناك! وصلت درجة «الاحتجاج» لدى الاتحاد الأوروبي إلى وصف الاعتداء الإسرائيلي بأنه «أمر مقلق بصورة بالغة»، مع تسجيل تحرك من قبل منظمة «مراسلون بلا حدود» التي طالبت «المحكمة الجنائية الدولية»، بإجراء تحقيق للقصف الإسرائيلي على برج الجلاء، مع اعتمادها لغةً مطاطة وغير حاسمة في إدانة الإحتلال بقولها إن «الاستهداف المتعمّد للجيش الإسرائيلي للمنظمات الإعلامية، والتدمير المتعمد لمعداتها، يمكن أن يمثلا انتهاكاً لأحد قوانين المحكمة». في سياق متصل، طالبت «لجنة دعم الصحافيين» المجتمع الدولي والدول الموقّعة على ميثاق الأمم المتحدة، بالعمل فوراً على ضمان حماية الصحافيين وموظفي وسائط الإعلام، واتخاذ كلّ الإجراءات الكفيلة بعد إفلات الاحتلال الإسرائيلي من العقاب، بموجب القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن (1788 و2222) التي تنص على «حماية الصحافيين أثناء النزاعات المسلحة». وحثّت منظمة «مراسلون بلا حدود» على الإسراع في شكواها إلى «المحكمة الجنائية الدولية».
هكذا، يُستهدف الصحافيون والعاملون في قطاع الإعلام في غزة، وسط حصار تفرضه قوات الاحتلال عليهم، وتمنع وصولهم وتوثيقهم لحقيقة ما يجري من فظائع في القطاع وكذلك على امتداد باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة. ممارسات ليست بجديدة على الاحتلال، الذي لطالما استهدف بشكل عمدي كل من يوثّق جرائمه بالصوت والصورة والكلمة، ويعمد إما إلى تصفيته أو إلى شلّ حركته الجسدية، وسط تواطؤ من العالم وتزييف الحقائق على المنابر الغربية والخليجية.



في مطبخ cnn
منذ أيام، انتشر تعميم داخلي لشبكة «دويتشه فيليه» الألمانية، يضم تعليمات صارمة لمراسليها حول طريقة التعاطي مع العدوان الإسرائيلي على غزة، وإملائها عليهم اعتبار «حماس»، «إرهابية»، وعدم نعت «إسرائيل» بدولة استعمار. وأمس، خرج تعميم من داخل شبكة cnn، الأميركية، بإلصاق استخدام مصطلح «وزارة الصحة» الفلسطينية بـ «حماس» للتشكيك في إحصاءات الوزارة حول أعداد شهداء غزة، وأيضاً لمنح «مشروعية» قتالية
عدوانية لـ«إسرائيل» للقيام بمجازرها، وكسر التعاطف العالمي مع الشهداء سيّما الأطفال منهم. ومعلوم أن هذه الإستراتيجية يستخدمها الاحتلال لتبرير جرائمه وقصفه للمباني السكنية وتجزيره بالمدنيين العزّل.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا