ليلى حكيم (81 سنة) فنانة من عباءة الموهبة الفطرية الغنية، عرفت بتجسيد الأدوار المركبة، وكانت قيمة فرضت نفسها باحترام بسبب مواقفها وطيب حركتها وتواضع تعاملها، وكبرياء تجربتها. هي التي شاركت روّاد الفنّ اللبناني في بناء مداميك المسيرة، وخاضت معهم عراك الأبيض والأسود بابتسامة وبلهجة الأمل المقبل، واستمرت معهم في ألوان «سيغام»، وصولاً إلى ما نحن عليه من جمال الصورة ومفبركات العمل وارتجال الفن.
ارتجال جيلها في الفنّ يرتكز على محورية النصّ والفكرة والموقف. ليلى حكيم رحلت عن دنيانا تاركة سمعة جميلة وضحكة واتزان، رغم صراعها مع مرض حاربته بالعمل الذي لم تتركه. ناضلت ضدّ الوجع الذي رافقها بخناجره، فابتسمت له رغم الألم. انطلقت في الفنّ من خلال التلفزيون ولمع اسمها مع «أبو ملحم» (أديب حداد) في بداية الستينيات من القرن المنصرم. وكانت شريكة في انطلاقة العمل الدرامي اللبناني. ومنذ بداياتها، جسّدت دور الجدة على رغم صغر سنّها، واستمرت في لعب هذه الشخصية حتى مماتها. وإلى جانب ذلك، لعبت الكثير من الأدوار المركّبة والصعبة، منها المجنونة، والمرأة «العانس»، والأم الحالمة والطيبة والجاحدة. والأهم من كل هذا أنها أدّت التراجيديا كما الكوميديا وبنفس راق ورفيع. ورغم مشوارها الطويل، إلا أنّها لم تلعب البطولة المطلقة، فكانت مساندة في مساحة ضرورية في القصة، لذلك كانت تقول «لا أدري لماذا يخافونني ولا يعطونني أدوار البطولة بعيداً عن تجسيد شخصية الجدة»؟ كل من عمل إلى جانبها يتحدّث عن تهذيبها وطيب تعاملها، وثراء صمتها. وإن باحت تحدّد الهدف والمعنى. ابتعدت عن الثرثرة والكلام لمجرّد الكلام، ونظراتها أبلغ المعاني، واحترمت الوقت، فتصالحت مع مواعيدها. كانت أوّل من يحضر إلى الاستديو وآخر من يخرج منه. لم تتأفّف ولم تتطاول على أحد، ولم يسجّل في مسيرتها أيّ خلافات مع الزملاء على عكس اليوم!
ليلى قدّمت شبابها على مذبح الفنّ اللبناني باحترام، فكان الجحود من بعضهم والنكران من الغالبية، وعدم المبالاة من الدولة (وهذه الحالة الشاذة هي مسيرة تعتزّ بها الدولة ولا تكلفها المال ولا تعير المبدع اللبناني أي اعتبار). وللأسف، قدر الفنان اللبناني أن يموت وحيداً حزيناً متألّماً وينظر إلى دولته ومحيطه والغصّة في فمه.