لن يحتاج الأمر إلى الكثير من البحث أو التفكير، بمجرد ما نعرف أن شبكة mbc قرّرت إنجاز مسلسل تاريخي ضخم يروي مأساة السفر برلك، وقد أفردت له موازنة كبيرة، واستقطبت له مخرجاً كبيراً مثل الراحل حاتم علي (1962 ـ 2020)، الذي أمضى قرابة سنتين في التحضير له. سندرك أن القصة معركة حقيقية، يبدو ظاهرها درامياً، لكنّ جوهرها سياسي بحت، غايته توجيه سهام النقد إلى الدولة التركية التي بنت تاريخاً من الإجرام والدماء، بالتنكيل في المنطقة أيّام كانت تقبع تحت سطوة احتلالها! اللافت أنه منذ سنة 1996، قدّم النجم السوري أيمن زيدان هذا المشروع عندما كان مديراً لشركة «الشام الدولية للإنتاج التلفزيوني» وكان منجزه، بمثابة ملحمة تلفزيونية حملت عنوان «أخوة التراب» (حسن م يوسف ونجدت أنزور، بطولة زيدان وسامر المصري وباسم ياخور وسوزان نجم الدين وجهاد عبدو...)، وألحقها بجزء ثانٍ مع المخرج الراحل شوقي الماجري! يومها استنكرت السفارة التركية في سوريا مطالبةً بإيقاف المسلسل، بخاصة أنه قدّم جانباً حالكاً من سطوة العثماني وأسلوبه الدموي، وأضاء على جوانب من نضال أبطال الثورة السورية الكبرى. حقّق العمل حينها جماهيرية عالية، وقفز خطوات واضحة في مشوار المسلسل التلفزيوني عموماً، من خلال رؤية بصرية تنسجم تماماً مع ملحمية المقترح الحكائي، وبنية المشهد بصيغة رواية تلفزيونية، والاشتغال بعمق توثيقي من وجهة نظر صنّاع المسلسل لحقبة زمنية مضرَّجة بالدماء!
إذاً، كلّ ما يمكن الحديث عنه أُنجز قبل قرابة ربع قرن بستين حلقة تلفزيونية، فماذا تريد mbc من هذا العمل الآن؟ ولماذا تجترّ موضوعاً أُشبع في الإنجاز التلفزيوني والسينمائي والمكتبي! اختارت الشبكة السعودية واحدة من الشركات التي تتعامل معها هي «إيغل فيلمز» لتنفيذه، وأوكلت مَهمة الإخراج بعد رحيل حاتم علي لليث حجو، الذي كان سيعمل تحت إشراف المخرج الراحل كمخرج ثانٍ! على أيّ حال، تحيط المجموعة الخليجية مسلسلها بسرية كبيرة، وتتكتم على اسم الكاتب، والأبطال، ومواعيد وأماكن التصوير، وتوقيت العرض، وقصّة العمل... حتى إنها جعلت الفريق العامل فيه، يوقّع على مجموعة تعهدات تجبره على عدم التصريح نهائياً للصحافة، رغبةً منها في الحفاظ على التشويق. لكن المؤكد بأن «سفر برلك» يحمل منذ الأصل عنواناً مغايراً هو «سنوات الرحيل والحب» بقصد تسليط الضوء على قصّة حب عاصفة، جرت أحداثها في فترة السفر برلك. وستنطلق هذه القصة، لتزيح الستار عمّا عاناه سكان المنطقة في سوريا والعراق ومصر من تجبّر العثماني ودمويته. العمل من كتابة ورشة بإشراف السيناريست والممثل السوري إياد أبو الشامات ويلعب بطولته: السعودي عبد الرحمن اليماني، والسوريان أنس طيارة ونانسي خوري، واللبنانيان بيو شيحان ووسام فارس، ويحلّ عليه ضيوفاً كلٌّ من: عبد الهادي الصبّاغ، فادي صبيح، عبد الرحمن قويدر وعلاء القاسم، ومن المفترض أن تنضم دانييلا رحمة إلى العمل بدور بطولة رئيس. أُنجز جزء من المسلسل في مصر، وسيستمر التصوير هناك قرابة شهرين، على أن ينتقل الفريق بعدها إلى سوريا لتصوير الأسواق وبعض البيوت، ومن ثم إلى لبنان لبضعة أيّام. ومن المتوقّع عرض العمل خارج الموسم الرمضاني. أما عنوان المسلسل، فيأتي من مرحلة السفر برلك باعتباره أول نشاطٍ عسكريٍّ من نوعه، حين أجبرت الدولة العثمانية، الشباب في البلدان الواقعة تحت سيطرتها بشكلٍ قسريٍّ على مواجهة أعدائها من البريطانيين وحلفائهم. إذ قامت بتنظيم منشوراتٍ عديدةٍ تحت مسمى «إعلان الجهاد المقدس» في الثالث من آب (أغسطس) 1914 بعد فرمان أصدره السلطان العثماني محمد رشاد يعتبر كل من يقع عمره بين 15/45 ويعيش على الأراضي التابعة لسيطرة الدولة العثمانية من المسلمين وغير المسلمين، مطلوباً للخدمة العسكرية.
لكن مهلاً، ماذا لو جرت مصالحة، أو تقارب سياسي بين السعودية وتركيا، ماذا سيكون مصير هذا المسلسل؟ لن نطيل التفكير، لأن الجواب واضح: سيُطوى ويوضع في الدرج إلى أجل غير مسمّى!





اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا