بعد مرور خمس سنوات على إطلاق «يا بلد»، يعود بشار خليفة ليسجّل ألبوماً خامساً، أشبه بتحية أو صرخة حب كما يسميها إلى بلده وذكرياته. الألبوم الحميم والشاعري تمّ العمل عليه بالكامل تقريباً في منزل آل خليفة العائلي الجبلي. لم يكن الموسيقي يعلم أن مجيئه للتسجيل في لبنان، سيكون وسط موجة التظاهرات والثورة التي انطلقت في تشرين الأول (أكتوبر) من العام المنصرم. ولكن ذلك لم يكن عائقاً أمامه أو أمام الفريق التقني الذي استقطبه من فرنسا. وكان عنوان On/ OFF شبه بديهي في أجواء الانقطاع المتكرّر للتيار الكهربائي خلال النهار، وهو أيضاً عنوان إحدى أغنيات الألبوم. العمل الجديد يتضمّن 11 مقطوعة، معظمها تأليف أصلي، باستثناء استعادتي «يا هوا بيروت» لفيروز وL’amour à plusieurs (آن سوريل). نسأله إن كان قد فكّر في الأغنيات التي سيتضمنها العمل قبل المجيء إلى لبنان أو أن الظروف لعبت دوراً في التأليف، فيجيبنا: «أعرف مسبقاً تاريخ تسجيل الأغنيات إجمالاً، ولكن لا أعدّها مسبقاً. أحب ترك الباب مفتوحاً للأفكار والأحاسيس وقت التسجيل. كانت لديّ بعض الأفكار ولكنها لم تكن محدّدة. فكنت أحياناً أرغب في تأليف أغنية هادئة وأحياناً أخرى أردت الغوص في الذكريات. أملك الأفكار والألوان والأحاسيس. وأحياناً بعض الألحان أو آلات معينة».
بشار خليفة: الألبوم يتضمّن 11 مقطوعة، معظمها تأليف أصلي، باستثناء استعادتي لـ «يا هوا بيروت» لفيروز وL’amour à plusieurs (آن سوريل)

في الألبوم أغنية تعود إلى عام 2017، وهي دويتو سجّله مع المغني الفرنسي الراحل كريستوف، بناء على اقتراح من إذاعة فرنسية قضى بتسجيل أغنية مع من يريد. لم تصدر إلا 200 نسخة من الأغنية على «فينيل»، ولكنه رغب في إعطائها المزيد من المساحة والحياة، فشعر أن مكانها سيكون مناسباً في الألبوم. أما أغنية فيروز «هوا بيروت»، فاكتشفها في كتاب لميا زيادة «يا ليل يا عين» الذي يحكي عن الثقافة العربية في القرن العشرين وعن تميّزها في السينما والشعر والموسيقى. ويشرح خليفة: «الكتاب ينتهي مع بداية الحرب الأهلية في لبنان. كأن الفترة الذهبية تنتهي مع حرب لبنان. وتصف في الكتاب حفلة فيروز في الـ «أولمبيا» عام 1975 حيث تؤدي الأغنية. هي أشبه بصرخة حبّ للمدينة. بيروت مدينتي وولدت فيها. أحب دائماً أن أضيع فيها. اسم بيروت يعني لي الكثير. عندما ألفظه، أشعر بأمور في جسدي. هي صرخة حبّ للمدينة التي ما زالت تُدمر وتحية لتاريخ الرحابنة وفيروز الذين يمثلون بيروت أيضاً».
فكرة تسجيل الألبوم كانت موجودة قبل بدء المظاهرات. وعندما حان وقت المجيء، بدأ الفنان يتساءل إن كان سيتمكّن من فعل ذلك. لكن الفريق الفرنسي كان متحمساً. يروي خليفة: «وصلنا في كانون الأول (ديسمبر)، بعد شهرين على بدء الثورة، وكان الاقتصاد بدأ ينهار. كنا منعزلين في الضيعة ولكننا كنا نشعر بالأسعار التي تتغير وبمشاكل الكهرباء. الموسيقى هي حجة أيضاً للتعبير عن حياة المرء. هذا البلد جزء من حياتي وحقيقتها. كبرت في الخارج ولكن من حفلة إلى حفلة ومن مدينة إلى أخرى، أشعر أننا نحمل هذا البلد في الرحلات والمسرح، بإيجابياته وسلبياته. أشعر أن الموسيقى حجة ليصل الناس بعضهم إلى بعض. هي وسيلة تواصل بيني وبين الآخرين. والتواصل الأكبر هو في الحفلات. وهنا أعاني كثيراً.


منذ البداية، شعرت أن علينا التأقلم والاستمرار في الاختراع والتعبير. لا يمكنني أن أنتظر لأسباب تجارية الوقت المناسب، لأننا لا نعرف ما يخفيه الغد، وقد يكون أسوأ. كل ما أفعله اليوم، إن كانت حفلة أو حتى مقابلة، ينبغي أن أعيشه بالكامل. علينا العمل بقوة وليس بأقل جدية بسبب الظروف».
الألبوم مليء بالحنين والذكريات، يتأرجح بين الأغنيات الهادئة، وتلك المحمّلة بالأصوات الإلكترونية، وبعض الموسيقى التقليدية، وبين الشاعرية والحكايات الحميمة الشخصية التي قد تمسّ أي مستمع إليها، وتعكس شيئاً من إحساسه. يحاول خليفة ألا يكون مرتاحاً عندما يكون في الاستديو، رغبةً منه في اكتشاف أماكن جديدة إن كان المجال متاحاً. وبطبيعة الحال، التسجيل في منزل مختلف عنه في استديو مخصص لهذا الغرض. لذا أضفى ذلك لوناً جديداً على موسيقاه. في نظره «الموسيقى ليست إلا نتيجة واقع إنساني نعيشه. في كل مرحلة من التسجيل، تمنح القاعة التي نسجّل فيها صوتاً معيناً. وهناك الميكساج الذي يأخذنا إلى مكان مختلف. لا أعمل بطريقة تقنية. عندما أسمع شيئاً وأفهمه، أعتبر أنني وصلت إلى نهاية التسجيل.
الألبوم مليء بالحنين والذكريات، يتأرجح بين الأغنيات الهادئة، وتلك المحمّلة بالأصوات الإلكترونية، وبعض الموسيقى التقليدية

يعني ذلك أنه يشبهني. في المقابل، لا أحبّ أن أفرض الأفكار على الذين يستمعون إليه. قد يفهم أحدهم أموراً معينة قد لا يفهمها آخر. أو قد يفهمها لاحقاً. الأسطوانة تكتمل عندما يبدأ الناس بالإضعاء إليها. ليست موجودة لأني أنا فقط أؤلف. هذا هو التواصل الذي أتحدث عنه».
لن تكون مهمة التسويق للعمل سهلة. إلّا أن خليفة أكد تنظيمه لحفلات صغيرة. أما عن تجربة حفلات اليوتيوب، فيتركها خياراً أخيراً، إذ إنه سبق أن خاضها ووجد فيها تباعداً. فهي ليست بتسجيل ولا يمكن اعتبارها في الوقت عينه حفلة فعلية فيها تواصل. يختم بالتأكيد: «سأترك المجال للأسطوانة لتقوم برحلتها، وللناس بأخذ الوقت اللازم. كنا على عجلة في مجتمعنا السابق. لا بأس إن أخذنا بعض الوقت الآن، فهذا لن يسلب شيئاً من الموسيقى».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا