في الدراما الاجتماعية «من الآخر» التي تدور أحداثها في بيروت، حاول الكاتب السوري إياد أبو الشامات، التقاط زواياها على أكثر من صعيد. طعّمها بأحداث سياسية حصلت في شوارع بيروت آنذاك، بعد انتفاضة 17 تشرين. يتسلّل هذا الحدث إلى المسلسل، بشكل طفيف، من دون أن يؤثر في الحبكة، فقط ليعطيه طابعاً حيوياً ومعاشاً في تلك الفترة، من خلال التذكير بإقفال الطرقات، وامتناع المصارف عن إعطاء المودعين أموالهم. يمرّ طيف 17 تشرين على المسلسل، والى جانبه، تدور الحبكة التي تبدأ بخلاف جوهري بين البطلين «ياسمين» و«ورد» بعدما خانها الأخير مع «تارا» بعد تعرفهما خلال رحلة متّجهة إلى دبي. تتخذ ياسمين القرار بالانفصال، مع تعنّت زوجها بالاستمرار معها، «لأجل بقاء العائلة»، في وقت تظهر فيه عشيقته «تارا» هذه المرة، من بوابة المحاماة لتكون وكيلة ياسمين وتسعى للانتقام من عشيقها (ورد)، بسبب كذبه عليها، بأنه كان على خلاف حادّ مع زوجته وينوي الطلاق منها.
حبكة سارت على مبدأ المفارقات، لرفع منسوب التشويق، وتجلّت في لقاء تارا/ ياسمين، وسعي الأخيرة لتدشين علاقة صداقة معها، مع جهلها بكلّ ما تحمله المرأة من مرارة إزاء فعل الخيانة مع زوجها، مروراً بمعرفة «هاني» بعلاقة حبيبته السابقة «تارا» بـ «ورد»، ومحاولته مواجهة الثنائي في منزله. تسير هذه المفارقات، توازياً مع بُعد سيكولوجي يعطيه الكاتب للقصة، تتمثل في تقاذف الذنب بين الشريكين. تمثل هذا الأمر، في علاقة ورد/ ياسمين، عندما حمّلها زوجها المسؤولية في وقوع ابنهما عن السلم، ودخوله في غيبوبة. الأمر عينه تكرّر، مع الحادثة التي تعرض لها «هاني» بعدما أخبرته «تارا» بأنها تنوي الانفصال عنه قبل الزواج، ما أدى إلى إصابته بالشلل، وشعور حبيبته السابقة (تارا) بالذنب وبقائها إلى جانبه. تتصدر قصة الثلاثي: ياسمين/ تارا/ ورد الحلقات الأولى، ليدخل بعدها على الخط الطبيب «زياد» (بديع أبو شقرا) الذي كان يشرف على حالة ابن ياسمين، وتبدأ قصة الإعجاب بين الطرفين، وتتطور العلاقة بينهما في الحلقات الأخيرة.
تطعيم العمل بأحداث متفرقة مثل اعتصامات 17 تشرين
على مقلب آخر، وداخل منزل «تارا» تحاك قصص متفرقة، يسعى من خلالها الكاتب إلى الإضاءة على قضايا متفرقة، من دون الغوص في عمقها كالبطالة التي يعانيها زوج شقيقة «تارا» (الياس الزايك)، وشعور شقيقتها بأنها تشكل عبئاً في العيش داخل منزل أهلها، وتسعى في ما بعد إلى إجهاض جنينها هرباً من الأوضاع الاقتصادية الصعبة. علماً أن هذا الأمر صوّره الكاتب حصراً في منازل الميسورين مادياً، ولم نرَ طيلة المسلسل، عائلات من طبقة اجتماعية مختلفة عن تلك المتعلقة بالبيوت العصرية والواسعة. في منزل أهل «تارا» أيضاً، إضاءة على الأم (رولا حمادة) التي تصاب بسرطان الثدي. يصوّر الكاتب من خلال هذه الحالة كفاح المرأة في مقارعة المرض الخبيث، رغم آلامه وقرار بقاء الأم إلى جانب بناتها وعائلتها، رغم تعبها، وفرض التعاطي معها على أنها امرأة لا تعاني من أي مرض. في سياق آخر، يلعب فؤاد يمين دور الطبيب النفسي «عادل» ببراعة، إذ يجسّد اضطراباته النفسية التي تتجلّى في هوسه بـ «ياسمين» التي تجمعه بها وبزوجها علاقة صداقة قديمة. أيضاً، نكتشف في ما بعد سبب هذه العلاقة المضطربة التي تصل إلى حدّ اللحاق بها، وتعقّب الأشخاص الذين تتواجد معهم.
باختصار، يدخل العمل الدرامي في ثنايا بعض المجتمعات اللبنانية أو العربية، ويحاول التعمق في تداعيات أفعال الخيانة على العلاقات، ويركز على الجانب السيكولوجي الذي يعدّ أولوية لدى الكاتب، من خلال الخوض داخلياً في أعماق الشخصيات على اختلافها. يسجّل في هذا الإطار ضعف أداء صموئيل التي تخوض للمرة الأولى، دور البطولة، إذ لم تمسك جيداً بخيوط شخصية «تارا» في مقابل ريتا حايك (ياسمين) التي تبرهن في كل مرة عن أداء ناضج من دون الحاجة إلى استخدام أدوات كثيرة لتجسيد الشخصية الأساسية.
* «من الآخر» يومياً 20:30 على mtv ما عدا الخميس والسبت
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا