كان يُفترض لمعرض «رفاة آخر وردة حمراء على وجه الأرض» لعبد القادري أن يستمرّ حتى 25 أيلول (سبتمبر) في «غاليري تانيت» (مار مخايل ــ بيروت). لكن ذلك لم يحدث بسبب انفجار المرفأ في الرابع من آب (أغسطس) الماضي. لم يخسر القادري لوحاته فحسب جرّاء العصف الهائل. انهارت بعض جدران الغاليري في شارع مار مخايل تماماً، ولقي مهندس المبنى المعمار اللبناني الفرنسي جان مارك بونفيس حتفه في ذلك النهار في المبنى نفسه. هل كان مصير كهذا متوقّعاً لتلك اللوحات القاتمة التي رسمها القادري للتعبير عن لحظة دخول البلاد حلقة مظلمة؟ ربّما كانت هذه الاحتمالات واردة، باستثناء أن ينتشل لوحاته كركام في النهاية. كثيرون لم يُتَح لهم ربّما زيارة ذلك المعرض، فلم يكن قد مضى على افتتاحه بضعة أيّام. تبدّلت بيروت كلّها خلال تلك الفترة. لكن القادري اختار فضاء الغاليري نفسها مجدّداً، كمساحة لمشروعه الجديد «أودُّ اليومَ أن أكونُ شجرة» الذي رسم فيه جداريات عملاقة تحمل أشجاره.
العمل الذي دشّن أخيراً يتألّف من جداريتين مقسمتين إلى 80 رسماً من الكرتون (مقاس كلّ منها 100 × 70 سم). طوال تلك المدّة، أمضى الفنان اللبناني معظم وقته في الغاليري. يرسم بين ركام الحيّ المدمّر، شجراً وأغصاناً تمتدّ، وتتفرّع على مدى أمتار طولاً وعرضاً، بينما تلوح بينها شمس حمراء. هذه كانت طريقته الوحيدة لمواجهة «الشعور بالاختناق»، كما وصف الفنان رحلة عمله في نصّ مرفق بالمشروع، مضيفاً «عند محاولتي رصد الألم الذي يحيط بي، لطالما راودتني فكرة متكررة: تمنّيت لو أكون شجرة».
يتألّف العمل من جداريتين مقسمتين إلى 80 رسماً من الكرتون


في معرضه الفردي «قصة شجرة الكاوتشوك» قبل عامين، استعان القادري بالأشجار، كمحاولة لرسم تاريخ المدينة، وبيوتها، وعائلاتها فنياً، بالرصاص والفحم مستغنياً عن كل الألوان. بعيداً عن تلك الأشجار التي حوت جزءاً من تاريخ بيروت، فإنّ الأشجار الحالية هي «أشجار بيروت، أشجار أحلامي اليوتوبيّة، وأشجار التغيير» كما كتب القادري في النص. ساعات العمل الطويلة التي أمضاها القادري يشيّد شجراته في حيّ مهدّم، تبدو كورشة أخرى لرفع الركام الفني الذي سقط في الغاليري، وفي المبنى والحي والمدينة. قبل أيّام، أُفرج عن المشروع الجديد (إدارة مارك معركش) وسيذهب ريع أجزاء الجداريات المعروضة بعد بيعها إلى جمعيّة «بسمة» التي تعمل حالياً على ترميم بعض البيوت المتضرّرة، وإصلاح الأضرار في الأبواب والشبابيك والزجاج...

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا