التطبيعُ هو أن نجْعل مِمّا هو غيرُ طبيعيّ، أيْ ممّا هو شاذّ وغيرُ مقبولٍ، طبيعيّاً وعادياً. إنه حالة من فقدان الذاكرة، التي تجعل الضحيّة تنسى سوط جلادها وهو يهوي على جسدها، ورائحة الموت التي ترفرفُ فوق رأسها، بل أن تشرعِـن مُصافحة قاتلها على الرّغم من رؤيتها لآثار وبقايا دمِها على يدِه.يفرضُ التطبيع واقِعاً غير طبيعي، يشارك فيه الأخ فِراش مُغتصِب أخته، بل يتلذّذ باسْتلطافه ومُداعبتِه على حِساب شرفِها وجسدِها المُثخن بالعذابات ونفسيتِها المُثقلة بالذّكريات الأليمة والبغِيضة.
هي نكسةٌ أخلاقية وثقافية، أنْ نرى بعضاً منّا يبيع عِرضه رخيصاً ويُهرول جِهة الظلم والقتل والخراب، ويوقّع للمجرم والمغتصب شهادة حسن السلوك.
لقد ضجّ سمْعي، في الآونة الأخيرة، بصوتِ الخُطى وهي تجْري في اتّجاه حتفها، وآلمني أنّ ذلك يحدثُ في وقتٍ تنتصرُ فيه العديدُ من الأصوات الحُرة في العالم لقضية فلسطين، باعتبارها قضية إنسانية عادلة، مُشدّدة على ضرورة مُقاطعة الكيان الصهيوني وعدم التطبيع معه، حتى يتوقّف عن جرائمه البشعة في حق شعبنا الفلسطيني ويقرّ بحقوقه كاملة فوق أرضه، وفي مقدّمتها حقّه في العيش الكريم وإقامة دولته المستقلّة وعودة مهجّريه ومنفيّيه الموزعين في أصقاع العالم.
إنّ قرار التطبيع الإماراتي – البحريني مع الكيان الصهيوني عِلاوة على كوْنه يحقّق الاعتراف بكيانٍ غاشم وظالم، ويجيزُ له الاستمرار في بطشه وتنكيله بالشعب الفلسطيني، فإنه، على المستوى الثقافي، يُهدّد منظومة القيم والأفكار التي مثّلت وجودنا وهويتنا... وفي مقدمتها الإيمان بالسردية الإسرائيلية وتكْيِيف التاريخ ليصير مُنسجماً مع مزاعمِها الباطلة، وذلك في نظري، أخطرُ أشكال التطبيع الذي يُمكن أنْ يتمّ مع هذا الكيان.
فعل يُهدّد منظومة القيم والأفكار التي مثّلت وجودنا وهويتنا


لقد انتبهنا في بيت الشعر في المغرب، إلى هذا البعد، وجاء البيان الصادر عن مؤسستنا مُنسجِماً مع المواقف التي عبّر عنها دوماً الشعب المغربي بمُختلف طبقاته السياسية والفكرية، من حيث نُصرة القضية الفلسطينية ورفض التطبيع بكل أشكاله وتمظهراته السياسية والاقتصادية والثقافية، وخاصة التطبيع مع السردية الإسرائيلية بما هي قتلٌ للحقيقة، وافتعالٌ لكذبة لا أساس لها من التاريخ والجغرافيا، فبالأحرى أنْ يكون لها حضارة أو وجود.
إنّ موقفنا في بيت الشعر في المغرب من التطبيع لا تحكمه مواقف عروبية فقط، بل مبادئ إنسانية بالنظر إلى كون القضية الفلسطينية هي واحدة من أنبل قضايا العصر التي لطالما انتصر الشعر لها ودافع عنها وعن سرديتها التي لا تقبلُ التشكيك أو التضليل.

* رئيس «بيت الشعر» في المغرب

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا