دأبت الصفحة الثقافيّة في «الأخبار» منذ انطلاقتها، على مواكبة جميع النشاطات الثقافيّة، وتغطيتها ودعمها، بمعزل عن أيّ خلفيّة فكريّة أو سياسيّة. فهذه القاعدة المهنية أساسيّة بالنسبة إلينا، ونتمسّك بها شرطاً من شروط ازدهار الحركة الثقافيّة، وتشجيع الجدل والتفكير، ورفض الإقصاء، وتمجيد الاختلاف، والانحياز التام إلى الحياة الديمقراطية. في هذا السياق، كان «بيت حمانا» من المؤسّسات الثقافيّة التي آمنّا بها ودعمناها منذ انطلاقتها. وقد لعبت حتى الآن دوراً حيويّاً على الساحة الإبداعية والثقافية، وربحت رهانها في كسر احتكار المركز (بيروت)، وتشجيع ثقافة المناطق والأطراف بأبعادها الاجتماعيّة والتنمويّة والتوعويّة. وحين علمنا أنّ «حمانا» تنظّم حلقة نقاش عن «معتقل الخيام»، كان من الطبيعي أن نلفت قرّاءنا لهذا الحدث، بمعزل عن المقاربة الغريبة لصاحب المشروع الذي حاز رعاية أكاديميّة أوروبيّة (جامعة دلفت التقنيّة)، كما حصل على منحة من مؤسّسة خليجيّة (متحف جميل للفنون).في تقديمه، يرى أحمد بيضون (وهو غير المفكّر اللبناني المعروف): «أن معتقل الخيام يخضع اليوم لتدخّل سياسي بغية التلاعب بعمليّة كتابة تاريخه واحتكاره». لذا تراه يدقّ النفير: «ينبغي على كافة مكوّنات المجتمع أن تعمل فوراً للمحافظة على ذاكرة هذا السجن من تدخّلات سياسية متعدّدة تهدف إلى محوه، ومراجعته من وجهة نظرٍ منحازة». «فوراً» كيف يعني فوراً؟ المهندس المعمار حسين حميّد، اجتاز المسافة من الجنوب إلى حمانا لحضور هذه الندوة، ومع ذلك فقد بقيت الأبواب موصدةً بوجهه، باسم قاعدة مبدئية (التسجيل المسبَق) تحتمل الاستثناءات، كما يعرف كلّ من ارتاد هذا النوع من الندوات وورشات العمل المغلقة في العالم أجمع… لا سيما أنّ هذا الزائر «الغريب»، تشاء «المصادفات» أن يكون المشرف على إعادة ترميم معتقل الخيام، أي أنّه يأتي «شحمة ع فطيرة» بالنسبة إلى المحكمة الشعبية التي يقف أمامها أحمد بيضون مدّعياً.
حسين حميّد يمثّل المتهمين بـ «تزوير ذاكرة معتقل الخيام ومصادرتها» (!). لقد فوّت المنظّمون فرصة ثمينة، هي وضعه في قفص الاتّهام ومحاكمته. والأهم فوّتوا فرصة استقباله لتقديم نموذج مناقض لـ «الثقافة الإقصائيّة» التي يدّعون إدانتها، بدلاً من الوقوع فيها بهذه الطريقة المُخجِلة والجارحة. هذا خطأ منهجيّ وأخلاقيّ! ممن يخاف مقدّم البحث ومنظّمو الندوة؟ أليس الحوار العقلاني هدفهم؟ أليس رفض مصادرة النقاش قضية الباحث المركزيّة؟ أم أنّ المطلوب اليوم، في هذا الزمن المؤنجز الذي يشهد تحوّل القضايا المصيرية ـــ الوطنية والإنسانية ـــ إلى مجموعة شعارات جوفاء وعبارات تقنيّة، مجرّدة من معناها، أن تسلّم مسؤولية الإشراف على هذا الصرح العظيم من صروح المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، إلى عامر فاخوري! فلعلّ هذا «الناشط البيئي» خير مؤتمن على ما يسمّيه «المدعي العام» في مرافعته: «ذاكرة المكان».