انتقد بروتون في بيانه السريالي الفن الروائي واصفاً إياه بالسطحية والتفاهة، ورأى فيه نوعاً أدبياً لا يرتقي إلى مكانة الشعر وأهميته؛ فأسلوب الرواية يشبه أسلوب الإخبار في تقديم المعلومات، ويهتمّ بأدق التفاصيل الواقعية التي تتعب القارئ. والرواية تنأى بأحداثها عن الغرابة، وتبتعد عن العفوية، وتهمل الحلم الذي يمكن أن يقود المبدع إلى «الحقيقة المطلقة، إلى ما فوق الحقيقة، إلى السريالية». لعل ما ذهب إليه بروتون ينطبق على الرواية التقليدية التي سادت في القرن التاسع عشر. أمّا رواية الحداثة، ورواية ما بعد الحداثة، فلا ينطبق عليها ذلك. وخير ما يؤكّد ذلك روايات كافكا، وميلان كونديرا، وهاروكي موراكامي الذي جعل الحلم في روايته «مقتل الكومنداتور، فكرة تظهر» عنصراً مهمّاً من عناصر بنيتها السردية، تُناط به أدوارٌ مهمةٌ لعل أبرزها يتجسّد في ما تتمخض عنه الرواية من أحداث، وفي التحكم بمصير الشخصيات وقرارتها. إذ تقرّر زوجة الرسام الانفصال عن زوجها بعدما رأت حلماً غريباً، تقول: «منذُ عدة أيام، قبل الفجر، رأيتُ حلماً غريباً، كان الحلم حياً إلى درجة ما عدتُ أميزُ حدود الحلم عن الواقع. وعندما استيقظتُ، فكرتُ بأنني لم أعد قادرةً على العيش معك. لا بل تيقنتُ من ذلك».تمخّض عن هذا الحلم حدث انفصال الزوجين، وكان هذا الانفصال محرّكاً لأحداث الرواية؛ فالزوج يترك بيته، ويستأجر بيتاً صغيراً فوق جبل في ضواحي «اوداوار» كان يسكنه «توموهيكو امادا» وهو رسامٌ عبقري، مشهور بدأ مسيرته بالاتجاه نحو الرسم الحديث إلى درجة الذهاب إلى فيينا لدراسته، غير أنه انعطف نحو النيهونغا/ الرسم الياباني التقليدي بعدما عاد من فيينا». ثم يسرد لنا الراوي ما وقع له من أحداثٍ غريبةٍ، ووقائع عجيبةٍ، تبدأ باكتشافه لوحة «مقتل الكومنداتور» التي خبأها الرسام توموهيكو واحتفظ بها لنفسه قبل أن يجد نفسه «في دار للعجزة في مرتفعات إيزو، لا يقوى على تمييز الأوبرا من المقلاة».
وبعد ذلك يصف الراوي اللوحة وصفاً دقيقاً محاولاً فكّ رموزها وفهم دلالاتها، بيد أن محاولاته لا تعدو أن تكون مجرّد احتمالات؛ فهي «لوحةٌ مجازيةٌ ومغزاها مرموز. لا يمكن تفسير المغزى والمجاز بالكلمات». وتتوالى بعد ذلك الأحداث الغريبة؛ إذ يسمع الرسام في إحدى الليالي صوتاً يأتيه من بعيد، ما يدفعه إلى تتبعه ليكتشف أن مصدرَهُ جرسٌ مغمورٌ في عمق الأرض، يهتز اهتزازاً ذاتياً فيصدر صوتَ الرنين.
يُخرجُ الرسام الجرس من تحت الأرض، ويأخذه إلى مرسمه، لكن الجرس يعود إلى إصدار الصوت «بدون أيّ أثرٍ لأحدٍ حرّكه عن موضعه». وعندئذٍ يجد الرسام في غرفة المعيشة الكومنداتور، الشخصية الخيالية التي ابتدعها الرسام توموهيكو امادا «بأسلوب النيهونغا وألوانها وقد تجسّدت في الواقع أو في ما يشبه الواقع، وتحركت ملء إرادتها الحرة في المكان: أليس هذا عجيباً؟ لكنني كلّما تأملتُ اللوحة ملياً، ازددتُ يقيناً بأن الأمر ليس على هذه الدرجة من الاستحالة».
لعل في ما أوردناه ما يوضح أهمية الحلم في بنية الرواية ودوره بوصفه محركاً للأحداث، فضلاً عن دوره في وسم أسلوبها بِسمة الغموض الذي يشي بأثرٍ سريالي تجلّى في تداخل الحلم والواقع تداخلاً كبيراً إلى حدٍّ يصعب التمييز بينهما.
وبناءً على ذلك، يمكن القول: إن رواية «مقتل الكومنداتور، فكرةٌ تظهر» (تصدر قريباً بالعربية) سعت لتحقيق السريالية من خلال هشاشة الحد بين الحلم والواقع، وغرابة أحداثها، وهذا ما يناقض زعمَ بروتون في أن الرواية لا تُعنى بالحلم، وتفتقر إلى الغرابة في أحداثها.