بغداد | رحل محمد سعيد الصكار في باريس أمس عن عمر ناهز 80 عاماً، بعد مسيرة غنية في الخط والشعر والرسم والصحافة. يعدّ الصكار (1934ــ 2014) المولود في قضاء المقدادية في محافظة ديالى أحد أبرز أعلام الثقافة العراقيّة والأكثر إنتاجاً وتفرّداً.
مع انتقال عائلته إلى محافظة البصرة، بدأ النشر المبكر في صحف «أبو نواس» و«الخواطر» و«جفجير البلد»، ثمّ أصبحت «مكتبة عبد الله فرجو» محطّة مهمة في تكوينه الثقافي «يوم كان عيباً على الشاب أن يظهر في الشارع من دون كتاب»، مثلما صرح مرّة. تطوّر وعيه في مشهد ثقافي بصري برز إلى جانبه فيه الأدباء: سعدي يوسف، ومحمود عبد الوهاب، ومهدي عيسى الصقر.
أهمّ انجاز يحسب له، هو «أبجديّة الصكار» التي سجّلت بوصفها براءة اختراع في بغداد ولندن وباريس، وهو المشروع نفسه الذي كان يمكن أن يتعرّض بسببه إلى التصفية الجسدية في بغداد من قبل سلطة البعث حينها، إذ وجهت إليه تهم تقود إلى الإعدام. وصف بأنّه صانع الأبجدية الطباعيّة وعلّق موضّحاً رؤيته في مقال تفصيلي: «الحركة الفضلى للحرف هي ما كانت في الاتجاه الطبيعي لحركة العين أثناء القراءة، أي أنّ الميلان يكون من اليمين إلى اليسار كونه لا يتعب العين. أما العكس فهو متعب لها، ومربك لعملية الاستيعاب». لكنّ الصكار ليس الخطاط الماهر فحسب، بل هو أيضاً الكاتب والصحافي، والشاعر الذي أصدر دواوين عدة منها «أمطار» (1962) و«برتقالة في سَوْرة الماء» (1968). أشعاره كانت محوراً للاحتفاء الذي أقيم قبل أيّام في مناسبة بلوغه الثمانين، قرأها الممثلان هالة عمران وجان داميان باربان. صدر يومها كتاب بالعربية والفرنسية بعنوان «من بغداد إلى باريس» ضمّ قصائده بترجمة لعباس محسن. الصكار كان دوماً يفاجئ جمهوره بأجوبة ذكية وآراء حادة. لذا ردّ على سؤال وجّه له مرةً عن الفنّ الأقرب إلى روحه، فأجاب: «أنا أقرب إلى الشعر، لكنّ هناك رأياً يقول إنّني شاعر في خطي وملوّن في شعري». ولا ننسى تجربة السينمائي محمد توفيق في توثيق إبداعات الصكار، عبر فيلم تسجيلي أسماه «شاعر القصبة» عرّف كثيرين من الشباب بمنجز الصكار المنفي عن العراق منذ السبعينيات (عام 1978 تحديداً).كتب الشاعر محمد مظلوم على الفايسبوك، مؤبناً الراحل: «حروف كثيرة في الكومبيوتر، من التي نستخدمها، هي من تصميم محمد سعيد الصكار الذي يعدُّ رائداً في هذا المجال. لا أعتقد أنّ هناك منذ هاشم البغدادي، من يضاهيه في إضفاء روح على الحرف تجمع بين البراعة في استلهام الأصول، والإبداع في ابتكار أشكال جمالية للحرف. الحروف العربيّة... أبجديته الجلجامشية، تلك العشبة التي سوف تنمو منها الكلمات، وتؤلف كتباً. مثل الصكار لا يموت»