بالتزامن مع ما شهدته بعض العواصم الأوروبية منها باريس بعد مقتل الشاب جورج فلويد في أميركا، يطفئ فيلم «الكراهية» (La Haine) للمخرج الفرنسي ماتيو كازافيتش (1967) شمعته الخامسة والعشرين هذه السنة. الفيلم (1995) الذي منح كازافيتش جائزة أفضل مخرج في «مهرجان كان السينمائي» ذلك العام (وإن أدار رجال الشرطة ظهورهم إلى فريق العمل خلال المهرجان)، ترك تأثيراً لافتاً على السينما والمجتمع الفرنسيين في منتصف التسعينيات. فقد كان فيلم الضواحي الأوّل الذي ينال اهتماماً من النقاد ووسائل الإعلام. وضع على الشاشة ثلاثة شبان من المهاجرين لعبوا بطولة الفيلم: الشاب العربي سعيد (سعيد التغماوي)، والشاب اليهودي فينسنت (فنسان كاسيل)، والأفريقي هوبير (هوبير كوندي). الفيلم سياسي بامتياز بتنقّله بين مشاهد من أعمال الشغب ضدّ الشرطة الفرنسية بعد حادثة الاعتداء على الشاب المهاجر عبدل وبين مشاهد الحياة في الضواحي الباريسية. إنها حياة الهامش، جدران لا مرئية تضعها الشرطة بين أبناء الضواحي والخارج، تضاف إليها ظروفهم الاجتماعية القاهرة. شكّل العمل مرآة عنيفة ودموية لفرنسا وآفاتها الاجتماعية الحديثة، خصوصاً في التعامل مع المهاجرين. فقد بدأ المخرج بكتابة سيناريو فيلمه في النهار الذي قتل فيه شاب أفريقي مهاجر أثناء مطاردته من قِبل الشرطة سنة 1993. في ذكرى مرور ربع قرن على صدور الفيلم، سيتم الاحتفال به هذه السنة، حيث تشكّل استعادته فرصة لرؤية راهنيّته الآن. هكذا، سيعاد عرض «الكراهية» في الصالات السينمائية من قِبل «معهد الفيلم البريطاني»، لكن بنسخة 4K جديدة نهاية هذه السنة. كذلك، سيعود الشريط مجدّداً إلى الصالات الباريسية، وسيعرض في مدينة كان، بالتزامن مع إصدار سيناريو الفيلم الأصلي عن دار النشر الفرنسية Maison CF مرفقاً بملاحظات المخرج، وصور التُقطت خلال تصوير الشريط لم تُنشر من قبل. المخرج المعروف بتصريحاته في قضايا المهاجرين في فرنسا، وجّه سنة 2005 رسالة إلى وزير الداخلية حينها نيكولا ساركوزي بعد مقتل مهاجرين عربيين في باريس. في الرسالة التي ردّ عليها ساركوزي لاحقاً، حمّل المخرج الدولة الفرنسية وساركوزي مسؤولية أعمال الشغب والعنف في الشارع، وتحديداً الكراهية التي تُظهرها الدولة لهؤلاء المهاجرين. في تصريح لمجلّة AnOther البريطانية أخيراً، رأى المخرج أن المشكلات ذاتها لا تزال تتكرر حتى اليوم: «حين تريد أن تصنع فيلماً سياسياً، فعليه أن يكون راهناً. لا جدوى من إرضاء الناس. هناك العديد من الأفلام التي يمكن أن تُرضي الناس. يتم تناقل أفلام مونتي بايثون الكوميدية وأفلام ديزني من جيل إلى جيل، لكن أن تكون قادراً على إنجاز فيلم سياسي يبقى راهناً بعد 25 عاماً، فهو أمر مدهش لكنّه مرعب في الوقت نفسه. لأن ذلك يعني أن المشكلات ذاتها لا تزال موجودة. حتى إنها أسوأ الآن، إنها مترافقة مع مشكلات أخرى لم تكن سائدة قبل 25 عاماً».