ترجمة محمد الدخاخني
ظهرت هذه المقالة في الأصل في عدد 11 تمّوز/يوليو 1966 من ذي نيشين، وقد أعادت المجلّة نشرها مرّةً أخرى بعد مقتل المواطن الأمريكيّ من أصول أفريقيّة جورج فلويد على يد شرطيٍّ أبيض في مدينة مينيابولس، مينيسوتا في 25 أيار/مايو 2020.

في 17 نيسان/أبريل 1964، في هارلم، نيويورك سيتي، غادر بائعٌ شابّ، هو أيضًا أبٌ لطفلين، شقّة أحد العملاء وخرج إلى الشّارع. كانت هناك ضجّةٌ كبيرةٌ في الشّارع، والّتي، خاصّةً لأنّ اليوم كان ربيعيًّا، انخرطَ فيها العديد من النّاس، بما في ذلك صبية صغار كانوا يركضون في خوف. لقد ركضوا هربًا من الشّرطة. آخرون، في النّوافذ، تركوا نوافذهم، خائفين من الشّرطة لأنّ رجال الشّرطة أشهروا أسلحتهم، وصوّبوا البنادق على الأسطح. ثمّ لاحظ البائع قيام رجليْ شرطة بضرب طفل: "وهكذا، رفعت صوتي وسألتُهم، 'لماذا تضربونه بهذا الشّكل؟' وما كان إلّا أن قفز أحدهما وشرع في ضربي. ثمّ صوّب مسدسه عليّ وقال، 'تقدّم أمامي'. فقلت، 'لماذا؟'"
سؤالٌ غير حكيم. قام ثلاثةٌ من رجال الشّرطة بضرب البائع في الشّارع. ثمّ أخذوا البائع الشّابّ، وقد قيّدوا يديه خلف ظهره، إلى جانب أربعة آخرين، أصغر كثيرًا منه، والّذين كانوا مقيّدين بالطّريقة نفسها، إلى مركز الشّرطة. هناك: "دخل حوالي خمسة وثلاثين، يمكنني القول، إلى الغرفة، وشرعوا في الضّرب، والّلكم في الفكّ، في المعدة، في الصّدر، في ضربنا بالهراوات - وبصقوا علينا، ونعتونا بالزّنوج، الكلاب، الحيوانات - نعتونا بالكلاب والحيوانات في حين أنّني لا أرى لماذا نحن الكلاب والحيوانات وهم مَن يضربوننا بهذا الشّكل. ومثلما ضربوني ضربوا الأطفال والزّميل المسنّ. لقد ألقوا به تقريبًا على أحد أجهزة التّدفئة. واعتقدتّ أنّه مات هناك".
كان "الزّميل المسنّ" هو فيكوندو آسيون، وهو بحارٌ بورتوريكيّ يبلغ من العمر 47 عامًا، ارتكب أيضًا خطأ الرّغبة في معرفة سبب قيام الشّرطة بضرب الأطفال. يقول أحد شهود العيان البالغين، "وإذا برجلٍ مسنٍّ محدودب الظّهر يخرج ويسأل شرطيًّا، 'يا هذا، استمع، سيّدي، ماذا يحدث هنا؟' وما كان إلّا أن استدار الشّرطيّ وضربه بعنفٍ عدّة مرّات على رأسه". ويقول أحد الشّباب، "لقد أصابه ما أصابه لمجرّد أنّه طرح سؤالًا. ما من سببٍ على الإطلاق، فقط لأنّه طرح سؤالًا".
لم يُتّهم أحدٌ حتّى الآن بارتكاب أيّ جريمة. لكن الكابوس لم يكن قد بدأ بعد. لقد تعرّض البائع للضّرب المبرّح في إحدى عينيه، وتبيّن أنّه من الضّروريّ إدخاله المستشفى. ربّما يمكن الشّعور ببعضٍ من معنى العيش في الأراضي المحتلّة من خلال حقيقة أنّ رجال الشّرطة نقلوه إلى مستشفى هارلم بأنفسهم - بعد حوالي 19 ساعة من الضّرب. لمدّة أربعة عشر يومًا، أخبره أطباء مستشفى هارلم أنّه لا يمكنهم فعل أيّ شيء حيال عينه، ونُقِل إلى مستشفى بلفيو، حيث حاول الأطباء إنقاذ العين لمدّة أربعة عشر يومًا. وفي نهاية الأربعة عشر يومًا، كان من الواضح أنّه لا يمكن إنقاذ العين المصابة بل إنّها بدأت في تعريض العين السّليمة للخطر. كلّ ما يمكن القيام به، إذًا، هو التّخلّص من العين المصابة.
حتّى آخر معلوماتي، عاد البائع إلى الشّوارع مجدّدًا، صُحبة حقيبته، محاولًا إطعام عائلته. أصبح ملحوظًا بشكل أكبر الآن لأنّه يرتدي رقعةً على عينه؛ ولأنّه سَاءَل حقّ شرطيّيَن في ضرب أحد الأطفال، صارَ يُعرف باسم "كاره الشّرطة". ولذلك، "هناك عددٌ غير قليلٍ من رجال الشّرطة يحدّقون فيّ الآن. وقد طلب منّي المحامي الخاصّ بي أن أصطحب شخصًا معي طوال الوقت لأنّ الشّرطة قد تحاول العبث معي مرّة أخرى".
ستلاحظ أنّه ما من إشارةٍ إلى أيّ نوعٍ من احتكامٍ إلى العدالة، أنّه ما من إشارةٍ إلى أيّ تعويضٍ عن الضّرر الجسيم وغير المبرّر الّذي تكبّده هذا الرّجل. نبرته ببساطةٍ هي نبرة شخصٍ نجا بأعجوبة - فربّما كان قد مات؛ وعلى هذه الحال، هو نصف أعمى فقط. ستلاحظ أيضًا أنّه قد نجم عن الرّقعة الّتي على عينه جعله أكثر من أيّ وقت مضى هدفًا للشّرطة. إنّه جرحٌ مخز، لم يكتسبه في غابةٍ أجنبيّةٍ ولكن في الغابة المحلّيّة - ليس أنّ هذا قد يُحدث أيّ فارق على الإطلاق مع ذاك الشّرطيّ الوطنيّ بشكلٍ لا يُحتمل -، كما أنّه جرحٌ يُثبِت أنّه "زنجيّ سيء". ("الزّنوج السّيّئون"، في أمريكا، كما في أيّ مكانٍ آخر، يخضعون للمراقبة دائمًا وعادةً ما يتعرّضوا للقتل). أيضًا، الشّرطة، الّتي بذلت قصارى جهدها بالتّأكيد لقتله، زوّدت نفسها بذريعةٍ مثيرةٍ للضّحك من خلال توجيه ثلاث تهمٍ جنائيّة ضدّه. فهو متّهمٌّ بضرب معلّم مدرسة، وقلب حامِل فاكهة، والاعتداء على رجال الشّرطة (المسلّحين). وبالإضافة إلى ذلك، قام بكلّ هذه الأشياء في مساحةٍ لا تتعدّى مجاورة واحدة، وفي الوقت ذاته.
■ ■ ■

يُدعى البائع فرانك ستافورد. وفي الوقت الّذي حدث فيه كلّ هذا، كان عمره 31 عامًا. وقد حدث كلّ هذا، كلّ هذا وأكثر من ذلك بكثير، قبيل "الصّيف الطّويل والحارّ" لعام 1964 مباشرة، ممّا فجّر في نهاية المطاف - لدهشة جميع سكّان نيويورك تقريبًا وجميع الأمريكيّين تقريبًا، للكرب الّلفظيّ الشّديد للنّيويورك تايمز، لحيرة بقيّة العالم - أعمال شغبٍ عرقيّة. كان مقتل صبيّ يبلغ من العمر 15 عامًا على يد شرطيٍّ أبيض الحادث الّذي جعل كأس المرارة الّلامُتخيّلة يطفح.
نتيجة أحداث 17 نيسان/أبريل، وأداء الشّرطة في ذلك اليوم، ولأنّ هارلم خاضعة للشّرطة مثل الأراضي المحتلّة، فإنّ ستّة زنوج، أكبرهم يبلغ من العمر 20 عامًا، هم الآن في السّجن، يواجهون أحكامًا بالسّجن المؤبّد بتهمة القتل. أسماؤهم هي والاس بيكر ودانيال هام ووالتر توماس وويلي كريغ ورونالد فيلدر وروبرت رايس. ربّما تكون أسماؤهم غير مهمّة. قد يكونون إخوتي، وقد يكونون إخوتك أيضًا. يستند تقريري جزئيًّا على كتاب ترومان نيلسون، "تعذيب الأمّهات" (مطبعة غاريسون، 15 شارع أوليف، نيوبريبورت، ماساتشوستس، مع مقدّمة كتبها ماكسويل غيلسمار). يُعدّ "تعذيب الأمّهات" سردًا مفصّلًا للقضيّة التي تُعرف الآن باسم "قضيّة زنوج هارلم السّتّة". والسّيّد نيلسون ليس، كما ضلّلتُ في وقتٍ سابقٍ البعض إلى الاعتقاد، روائيًّا جنوبيًّا أبيض، ولكنّه روائيٌّ شماليٌّ أبيض. إنّه تعليقٌ ميلانكوليّ إلى حدٍّ ما، كما أعتقد، على المجتمع الثّقافيّ الشّماليّ، ويكشف، إلى يأسي إلى حدٍّ ما، مدى قلّة مستوى توقّعي من هذا المجتمع لدرجة انقيادي إلى هذا الخطأ بشكلٍ لا يُقاوم. بطريقةٍ ما، بالرّغم من ذلك، ليس لديّ بالتّأكيد أيّ رغبة في إلقاء الّلوم على السّيّد نيلسون فيما يتعلّق بأخطائي، ومع ذلك، يقع عليه، هو نفسه، إلى حدٍّ ما الّلوم. توضّح لهجته أنّه يعني ما يقوله ويعرف ما يعنيه. النّبرة نادرة. لقد أصبحت أتوقعّها من الجنوبيّين فقط - أو بشكل رئيس من الجنوبيّين - لأنّ الجنوبيّين يجب أن يدفعوا ثمنًا باهظًا من أجل تحريرهم الخاصّ والعامّ. لكن السّيّد نيلسون ينحدر في الواقع من نيو إنغلاند، وكان ليصفه عصرٌ آخر بداعية إبطال العبوديّة. لا يمكن لأيّ ليبراليّ شماليّ أن يكون قادرًا على ذلك لأنّ الّليبراليّ الشّماليّ يعتبر نفسه مُخلَّصًا بالفعل، في حين يضطّر الجنوبيّ الأبيض إلى دفع ثمن خلاص روحه من معاناته وفي جسده وفي الوقت الوحيد الّذي يمتلكه. لقد كتب السّيّد نيلسون الكتاب في محاولةٍ لخلق دعايةٍ وسخطٍ عامّ؛ فأيّ مال يجنيه الكتاب سيذهب إلى الجهد التّحريريّ لزنوج هارلم السّتّة. أعتقد أنّ الكتاب عبارة عن إنجازٍ أخلاقيٍّ غير عاديّ، ضمن التّقليد الأمريكيّ العظيم لتوم باين وفريدريك دوغلاس، لكنّني لن أكون مخادعًا لدرجة التّظاهر بأنّني أكتب مراجعةً لكتاب. لا، إنّني أكتب تقريرًا هو أيضًا نداء للاعتراف بإنسانيّتنا المشتركة. فبدون هذا الاعتراف، ستُقَرّر إنسانيّتنا المشتركة بطرقٍ لا تُوصَف. يستند تقريري أيضًا إلى ما أعرفه أنا، بما أنّني قد ولدتّ في هارلم وترعرعت هناك. ولا يمكن القول إنّني أو عائلتي قد غادرنا المكان فعليًّا؛ لم نعد - ربّما - تحت رحمة رجال الشّرطة والمُلّاك كما كنّا. على كلّ حال، هناك توجد جذورنا وكذلك أصدقاؤنا وأعمق روابطنا، و"هناك" هذا يقع على بعد خمس عشرة مجاورة فقط.
يعني هذا أنّني أعرف أيضًا، في جسدي، وأعرف، وهذا أسوأ، في النّدوب الّتي يحملها الكثيرون من أعزّ النّاس إليّ، رعد ونار الهراوات، والصّدمة المصحوبة بشللٍ مؤقّتٍ الّتي تُحدثها بصقةٌ في الوجه، وأعرف ما الّذي يعنيه أن يجد المرء نفسه مُعمّىً، جاثيًا على يديه وركبتيه، يتلقّف خطوات ترشقهُ بعنف. أعرف شيئًا آخر: هؤلاء الشّباب في السّجن منذ عامين حتّى الآن. وحتّى لو نجحت محاولات إطلاق سراحهم، فما الّذي حدث لهم في هذين العامين؟ يُدمَّر النّاس بسهولةٍ بالغة. أين الحضارة وأين هي، في الواقع، الأخلاق الّتي يمكنها تحمّل تدمير هذا العدد الكبير؟
كانت هناك لعبة مورِسَت لبعض الوقت بيني وبين بعض ذوي المكانة العليا في واشنطن قبل تغيير الإدارة ووصول "المجتمع العظيم" إلى مرحلة التّخطيط. وقد مضت الّلعبة على هذا النّحو، بشكلٍ ما. في نيسان/أبريل أو أيار/مايو تقريبًا، أي عندما يصبح الطّقس أكثر دفئًا، يرنّ هاتفي. فألتقط السّماعة وأجد واشنطن على الخطّ.

واشنطن: ماذا تفعل على الغداء - أوه، مثلًا، غدًا، يا جيم؟
جيم: أوه - لماذا - أعتقد أنّه ليست لديّ أيّ مواعيد.
واشنطن: لما لا تسافر وتأتي إلينا؟ سنرسل سيّارةً إلى المطار. عند الواحدة، تمام؟
جيم: بالتّأكيد. سأكون هناك.
واشنطن: جيّد. سأكون سعيدًا برؤيتك.

وهكذا، أكون هناك في اليوم التّالي، مثل جنديٍّ صغيرٍ جيّد، جالسًا (جنبًا إلى جنب مع جنود صغار جيّدين آخرين) حول مائدة غداءٍ في واشنطن. لم يكن أخذ الخطوة الأولى لي، لكنّني كنت أعرف جيّدًا لماذا طُلب منّي أن أكون هناك.
وأخيرًا، يقول أحدهم - وحينها ربّما نكون قد وصلنا إلى أطباق السّلاطة - "أخبرني، يا جيم، ماذا سيحدث هذا الصّيف؟"
هذا السّؤال، مترجمًا، يعني: هل تعتقد أنّ أيًّا من هؤلاء الزّنوج العاطلين عن العمل وغير القابلين لشغل أيّ وظيفة والّذين سيخرجون إلى الشّوارع طوال الصّيف سيسبّبون لنا أيّ مشكلة؟ برأيك، ما الّذي يجب أن نفعله حيال ذلك؟ لكن، في وقتٍ لاحق، خلصتُ إلى أنّني قد أخطأت فهم الجزء الثّاني من السّؤال، لقد كانوا يقصدون حقًّا، ما الّذي سأفعله أنا حيال ذلك؟
ثمّ أجد نفسي أحاول بصبرٍ أن أشرح أنّ الزّنجيّ في أمريكا بالكاد يمكن اعتباره - على سبيل المثال - جزءًا من الاتّحادات العمّاليّة - وبالتّأكيد لا تنظر غالبيّة هذه الاتّحادات إليه بعين الاعتبار - وبالتّالي، يفتقر إلى تلك الحماية وذلك الحافز. الوظائف الّتي كان الزّنوج يشغلونها دائمًا، الوظائف الأدنى، أكثر الوظائف وضاعة، تُدمّرها الأتمتة الآن. ولم يُعتمَد بعد أيّ قرارٍ صغيرٍ لاستيعاب فائض العمالة هذا. بالإضافة إلى ذلك، يبقى تعليم الزّنوج، في الشّمال والجنوب، تعليمًا خاضعًا لسياسات التّمييز تقريبًا، وتلك ليست سوى طريقة أخرى لقول إنّه يُلقَّن عادات الدّونيّة كلّ ساعةٍ من كلّ يومٍ يعيشه. وسيجد صعوبةً بالغةً في التّغلّب على هذه العادات. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ كلّ محاولةٍ يقوم بها للتّغلّب على هذه العادات ستكون معقّدة على نحوٍ مؤلمٍ بحقيقة أنّ طرق الوجود، طرق حياة المُحتقَر والمرفوض، مع ذلك، تحتوي على حيويّةٍ وسلطةٍ لا جدال فيها. وأكثر بكثير يمكن أن يُقال عن الطّبقة الوسطى الّتي لا تجرؤ على كلّ حال، سواء كانت سوداء أو بيضاء، على التّوقّف عن احتقاره. قد يفضّل البقاء في مكانه، بالنّظر إلى هذه الخيارات غير الجذّابة، ممّا يعني أنّه إمّا أن يبقى في حالةٍ من عدم اليقين، أو أن يجد طريقةً لاستخدام النّظام من أجل التّغلب على النّظام. وهكذا، حتّى عندما تتفتّح الفرص - واستخدامي لهذه الكلمة هنا يقتصر على معناها الأمريكيّ الشّماليّ، الصّناعيّ، التّنافسيّ، المعاصر - المغلقة حتّى الآن أمام الوجود الزّنجيّ، أقول، حتّى عندما تتفتّح على مضض، فإنّ قلّةً ستكون قادرةً على التّأهّل لها للأسباب الموضّحة أعلاه، وكذلك لأنّ المخاطرة الّتي قد ينجم عنها الجنون وحسرة القلب في محاولة تحقيق المستحيل تتطلّب شخصًا نادرًا جدًّا من أيّ لون. (أعرف زنوجًا جنّ جنونهم حرفيًّا لأنّهم كانوا يرغبون في أن يصبحوا طيّارين في خطوطٍ جويّةٍ تجاريّة). وليس هذا هو الأسوأ.
لا يمكن للأطفال، بعد أن رأوا الهزيمة المذهلة لآبائهم - بعد أن رأوا ما يحدث لأيّ زنجيّ سيّء، و، ما هو أكثر من ذلك، ما يحدث للزّنوج الجيّدين - الاستماع إلى آبائهم وبالتّأكيد لن يستمعوا إلى المجتمع المسؤول عن يُتمهم. ماذا تفعل في مواجهة هذا القَطْع العميق والخطير؟ بدا لي - أقول، فيما أحتسي القهوة وأحاول الاعتصام بالهدوء - أنّ مبدأ ما يجب القيام به بسيطٌ للغاية؛ لكن قبل القيام بأيّ شيء، كان لا بُدّ من استيعاب هذا المبدأ. كان المبدأ الّذي وجبَ على المرء أن يعمل عليه هو أنّ الحكومة الّتي يمكنها أن تجبرني على دفع ضرائبي وتجبرني على القتال دفاعًا عنها في أيّ مكانٍ في العالم لا تملك سلطة القول إنّها لا تستطيع حماية حقّي في التّصويت أو حقّي في كسب لقمة العيش أو حقّي في العيش في أيّ مكانٍ أختاره. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن لأُمّة، تودّ أن تُطلِق على نفسها أُمّةً حرّة، أن تتحمّل هذا الانشقاق الهائل. ما العمل؟ حسنٌ، هناك لوبي عقاريّ في مدينة ألباني، على سبيل المثال، وهذا الّلوبي الّذي كان قادرًا على إعادة بناء كلّ نيويورك، ووسط المدينة، ومن أجل المال، في أقلّ من عشرين عامًا، مسؤول أيضًا عن هارلم وحالة النّاس هناك، وحالة المدارس هناك، ومستقبل الأطفال هناك. ما العمل؟ لماذا لا يمكن مهاجمة قوّة هذا الّلوبي؟ هل أرباحهم أهمّ من صحّة أطفالنا؟ ما العمل؟ هل تُطبع الكتب المدرسيّة لتعليم الأطفال، أم أنّ محتويات هذه الكتب تخضع لسيطرة الأوليغارشيّة الجنوبيّة والازدهار التّجاريّ لدور النّشر؟ ما العمل؟ لماذا الزّنوج والبورتوريكيّون هم الوحيدون تقريبًا الّذين يدفعون الشّاحنات في مركز الملابس، وأيّ اتّحاد عمّاليّ له الحقّ في حصار الزّنوج والبورتوريكيّين والتّضحية بهم بهذه الطّريقة؟ لا يمكن القيام بأيٍّ من هذه الأشياء (أقول)، في الواقع، دون موافقة الحكومة، وفي هارلم نعرف ذلك حتّى لو أقرّ بعضكم بعدم معرفة كيفيّة حدوث مثل هذا الوضع الشّنيع. إذا لم يبدأ التّعامل مع بعضٍ من هذه الأشياء - أقول - فإنّنا، إذًا، بالطّبع، سنجلس على برميل بارود طوال الصّيف. بالطّبع، قد ينفجر برميل البارود؛ وستكون معجزة لو لم ينفجر.
وجّهوا لي الشّكر. لم يصدّقوني، كما استنتجت، لأنّه لم يتمّ فعل أيّ شيء حيال الأمر. كان الصّيف عنيفًا دائمًا. وفي الرّبيع أخذ الهاتف يرنّ مجدّدًا.
الآن، ما قلته عن هارلم ينطبق على شيكاغو وديترويت وواشنطن وبوسطن وفيلادلفيا ولوس أنجلوس وسان فرانسيسكو - ينطبق على كلّ مدينة شماليّة ذات عددٍ كبيرٍ من السّكان الزّنوج. والشّرطة هي ببساطة العدوّ المُستأجَر لهؤلاء السّكان. إنّها موجودة لإبقاء الزّنجيّ في مكانه ولحماية المصالح التّجاريّة البيضاء، وليس لديها وظيفة أخرى. إنّ الشّرطة، بالإضافة إلى ذلك - حتّى في بلدٍ يرتكب الخطأ الفادح للغاية المتمثّل في مساواة الجهل بالبساطة - جاهلةٌ بشكلٍ مذهلٍ تمامًا؛ ولأنّها تعلم أنّها مكروهة، فهي دائمًا في خوف. لا يمكن للمرء أن يتوصّل إلى صيغةٍ أكيدة النّجاح للقسوة أكثر من تلك.
هذا هو السّبب في أنّ هذه الدّعوات التّقويّة "لاحترام القانون"، الّتي تُسمَع دائمًا من مواطنين بارزين في كلّ مرّةٍ ينفجر فيها الغيتو، تُعدّ في غاية الفُحش. من المفترض أن يكون القانون خادمي وليس سيّدي، فضلًا عن أن يكون معذّبي وقاتلي. إنّ احترام القانون، في السّياق الّذي يجد فيه الزّنجيّ الأمريكيّ نفسه، يعني ببساطة التّخلي عن احترام الذّات.
■ ■ ■

في 17 نيسان/أبريل، قام بعض أطفال المدارس بقلب حامِل فاكهةٍ في هارلم. كان ليُنظَر إلى هذا الفعل على أنّه محض مزحةٍ طفوليّةٍ لو كان الأطفال من البيض - أي أطفال ذلك القطاع من المواطنين الّذين تعمل الشّرطة من أجلهم والّذين لديهم السّلطة للسّيطرة على الشّرطة. لكن هؤلاء الأطفال كانوا سودًا، وطاردتهم الشّرطة وضربتهم وأشهرَ رجالها أسلحتهم؛ وفقد فرانك ستافورد عينه بالطّريقة نفسها الّتي فقد بها زنوج هارلم السّتّة حرّيتهم - عبر محاولة حماية الأطفال الصّغار. دانيال هام، على سبيل المثال، يخبرنا "... سمعنا صراخ الأطفال. استدرنا وعُدنا لرؤية ما الّذي يحدث. رأيت هذا الشّرطي وقد أشهر سلاحه وأخرج هراوته، ووضعت نفسي في مواجهته لمنعه من إطلاق النّار على الأطفال. لأنّه في البداية كان يرتجف مثل ورقة شجر ويقفز في كلّ مكان. واعتقدتّ أنّه قد يُطلِق النّار على أحدهم".
أُلقي القبض عليه، صُحبة والاس بيكر، وأُخِذَ إلى مركز الشّرطة، وتعرّض للضّرب - "كان يضربنا ستّة واثنتي عشر منهم في كلّ مرّة. وقد تعبوا من ضربنا لدرجة أنّهم دخلوا وبدأوا في البصق علينا فقط بعد ذلك - حتّى أنّهم جمّعوا لعابهم المختلِط بالمخاط وبصقوا عليّ". استمرّ هذا طوال اليوم في المساء. وأُخِذَ والاس بيكر ودانيال هام إلى مستشفى هارلم للخضوع لفحصٍ بأشعة إكس ثمّ أُعيدا إلى مركز الشّرطة، حيث استمرّ الضّرب طوال الّليل. أُطلق سراحهم في نهاية المطاف، مع الإبقاء على تهمة قلب حامِل الفاكهة، بالرّغم من شهادة صاحب الحامِل. وكان صاحب حامِل الفاكهة قد أخبر الشّرطة بالفعل أنّه لم يسبق لوالاس بيكر أو دانيال هام أن حضرا إلى متجره على الإطلاق وأنّه بالتّأكيد لا علاقة لهما بالحادث. لكن هذا لم يكن له تأثير على سلوك الشّرطة. فقد اجتذب كلا الصّبيّين بالفعل انتباه الشّرطة، قبل فترةٍ طويلةٍ من أعمال الشّغب المرتبطة بمنضدة الفاكهة، وبطريقةٍ بريئةٍ تمامًا. يقوم الصّبيّان بتربية الحمام ويحتفظان به على السّطح. لكن الشّرطة خائفةٌ من كلّ شيء في هارلم وخائفةٌ بشكلٍ خاصٍّ من الأسطح الّتي تعتبرها بؤرًا استيطانيّة للعصابات. هذا يعني أنّ مواطني هارلم الّذين، كما رأينا، يمكن أن يُفجعوا في أيّ ساعةٍ في شوارعهم، والّذين ليسوا آمنين في نوافذهم، مُحرَّمٌ عليهم الهواء نفسه. إنّهم في أمانٍ فقط في منازلهم - أو بالأحرى كانوا كذلك، حتّى أقرّت المدينة قوانين "لا تطرق الباب، اضبط، فتِّش"، الّتي تسمح لأيّ شرطيٍّ بدخول المنازل دون طرق الباب وإيقاف أيّ شخص في الشّارع، حسب الرّغبة، وفي أيّ ساعة، وتفتيشه. تؤمن هارلم، وأنا أتّفق بالتّأكيد مع ذلك، بأنّ هذه القوانين موجّهة ضدّ الزّنوج. إنّها بالتّأكيد ليست موجّهة ضدّ أيّ شخصٍ آخر. وذات يوم، "وصلت شاحنتان وكانتا محمّلتين برجال المباحث الّذي صعدوا إلى السّطح. صوّبوا أسلحتهم على الأطفال وفتّشوهم وأنزلوهم جميعًا لأخذهم إلى المخفر". لكن الصّبية خاضوا معركةً كلاميّةً ورفضوا الذّهاب وجذبوا انتباه حشدٍ كبيرٍ من النّاس. "من أجل جلب هؤلاء الصّبية إلى المخفر، فإنّه علينا إطلاق النّار عليهم"، قال شرطيّ، و"بدت الشّرطة وكأنّها محرجة. لأنّني لا أعتقد أنّهم توقّعوا أن يمتلك الأطفال هذا الحسّ في التّحدّث دفاعًا عن أنفسهم". لقد رفضوا الذّهاب إلى المخفر، "ولم يذهبوا"، كما أنّ استعراضهم "روح 76" [في إشارة إلى الثّورة الأمريكيّة الّتي بدأت في 4 يوليو 1776 - المترجم] أطّرهم على أنّهم صبية خطيرين. الأراضي المحتلّة هي أراضٍ محتلّة، بالرّغم من وجودها في ذلك العالم الجديد الّذي غزاه الأوروبيّون، ومن البديهيّ، في الأراضي المحتلّة، أنّ يتمّ الرّدّ على أيّ فعلٍ من أفعال المقاومة، حتّى لو كان على يد طفل، فورًا، وبكامل وزن قوّات الاحتلال. بالإضافة إلى ذلك، بما أنّ الشّرطة، على نحوٍ غير مستغربٍ على الإطلاق، غير كفؤة بالمرّة - لأنّه ليس لديها، في الواقع، أيّ احترام للقانون، وهو أمر ليس مفاجئًا، أيضًا - فإنّ هارلم وكلّ نيويورك سيتي مليئة بجرائم لم تُحلّ. فالجريمة، كما نعلم، تُحلّ عندما يُقبض على شخصٍ ما ويُدان. وليس من الضّروريّ، وإن كان من المفيد، الحصول على اعتراف. وإذا نُقِل المرء ذهابًا وإيابًا من المخفر إلى المستشفى لفترةٍ كافية، فمن المحتمل أن يعترف بأيّ شيء.
لذلك، بعد عشرة أيّام، بعد مقتل السّيّدة مارجيت شوغر في متجر السّيّد والسّيدة شوغر للملابس المستعملة في هارلم، عادت الشّرطة وأخذت دانيال هام مرّة أخرى. هكذا تروي أمّه القصّة. "أعتقد أنّه جاء ثلاثة (رجال مباحث) وسألوه هل أنت داني هام؟ فقال نعم وعلى الفور - صوِّب سلاحٌ على رأسه مباشرةً وصُفِع، وأُشهِرَ سلاحٌ هنا وآخر هناك - وبطول الرّدهة - قاموا بضربه ودقّوا رأسه بالمسدّس". وأُلقي القبض على الصّبية الآخرين بالطّريقة نفسها، و، بالطّبع مرّة أخرى، تعرّضوا للضّرب، ولكن هذا الاعتقال كان تعذيبًا أكبر بكثير من الأوّل لأنّ بعض الأمهات لم يعرفوا مكان أولادهم، والشّرطة، الّتي كانت تحتجزهم، رفضت لعدّة ساعات الإفصاح بأنّهم عندها. ولم تعرف الأمّهات بتهمة أولادهنّ سوى عبر التّلفزيون، وكانت التّهمة ارتكاب جريمة قتل. في ذلك الوقت، في ولاية نيويورك، عنَت هذه التّهمة الموت على الكرسيّ الكهربائيّ.
دعونا نفترض أنّ الصّبية السّتّة، كافّة، مذنبون كما ( في نهاية المطاف) اتّهموا. هل يمكن لأيّ شخصٍ أن يتظاهر بأنّ طريقة اعتقالهم، أو معاملتهم، تنمّ عن عدالةٍ متساويةٍ بموجب القانون؟ رفضت إدارة الشّرطة بكلّ عجرفة "التّعاطي بجديّة مع الاتّهامات". لكن هل يمكن لأيّ شخصٍ أن يتظاهر بأنّهم كانوا ليجرؤا على تبنّي هذه النّغمة لو كانت القضيّة تتعلّق، على سبيل المثال، بأبناء سماسرة في وول ستريت؟ لقد شاهدتّ وحشيّة الشّرطة وتعرّضت لها عدّة مرّات وأكثر من مرّة - ولكن، بالطّبع، لا يمكنني إثبات ذلك. لا أستطيع إثبات ذلك لأنّ إدارة الشّرطة تحقّق مع نفسها، كما لو كان لها الحقّ في تقديم الأجوبة لنفسها فقط. لكن لا يمكن السّماح لها بأن تكون مُستجوبة أمام نفسها فقط. يجب أن تجيب المجتمع الّذي يدفع لها، والّذي أقسمت أمام القانون على حمايته، وإذا لم يكن الزّنوج الأمريكيّون جزءًا من المجتمع الأمريكيّ، فإنّ جميع المهن الأمريكيّة عبارة عن احتيال.
هذا الاستقلال الذّاتيّ المتغطرس، الّذي تضمنه للشّرطة، ليس فقط في نيويورك، أقوى القوى في الحياة الأمريكيّة - وإلّا ما كانوا ليجرؤوا على ادّعاء هذا الاستقلال الّذاتيّ، ما كانوا ليقدروا بالفعل على ادّعاءه - يخلق وضعًا قريبًا من الفوضى بقدر ما هو قريب، بشكل واضح، من الأحكام العرفيّة.
ها هي أمّ بيكر تتحدّث، واصفةً الّليلة الّتي جاء فيها ضابط شرطةٍ إلى منزلها لجمع الأدلّة الّتي كان يأمل أن تُثبِت أنّ ابنها مذنبٌ بالقتل. كانت السّيّدة الرّاحلة شوغر تدير محلًا لبيع الملابس المستعملة وكان الشّرطيّ يبحث عن معاطف قديمة. "كان بغيضًا خلال تلك الّليلة الّتي حضر فيها إلى منزلي. لم يضرب الجرس. فقلت، هل حصلت على أمر بالتّفتيش؟ قال، لا، ليس لديّ أيّ أمر بالتّفتيش ولكنّني سأفتّش على كلّ حال. حسنٌ، لقد فتَّش المنزل. وقلت، هل يمكنك الخروج من هذه الغرفة حتّى أرتدي ملابسي؟ لم يخرج". وقد قُبض على جامع الأدلّة ضدّ الصّبية، لاحقًا، بتهمة حيازة أموال مزوّرة وتمريرها (واعترفَ بأنّه مذنب في جنحة؛ "التّآمر" لتمرير أموال مزوّرة). تبلغ قيمة منزل الضّابط في هارتسديل، نيويورك، 35 ألف دولار، ويمتلك سيّارتين، إحداهما كاديلاك، وعندما أُلقي القبض عليه، كان في جيبه 1,300 دولار. لكن عائلات زنوج هارلم السّتّة لا تمتلك المال الكافي لتعيين محام. عيّنت المحكمة محاميًا، ورفضت السّماح للصّبية باختياره، بالرّغم من توضيحهم أنّهم لا يثقون في محاميهم المعيّن من جانب المحكمة، وبالرّغم من أنّ أربعةً من كبار محامي الحقوق المدنيّة طلبوا السّماح لهم بالتّعامل مع القضيّة. أدين الصّبية بالقتل من الدّرجة الأولى، وهم الآن ينهون طفولتهم وقد ينهون حيواتهم في السّجن.
تحدث هذه الأشياء، في كلّ الأحياء الّتي تشبه هارلم، كلّ يوم. وإذا تجاهلنا هذه الحقيقة، ومسؤوليتنا المشتركة لتغيير هذه الحقيقة، فإنّنا نحكم على أنفسنا بالهلاك. ها هو الصّبي، دانيال هام، يتحدّث - يتحدّث عن بلاده الّتي أقسمت على السّلام والحرّيّة لملايين عديدة. "إنّهم لا يريدوننا هنا. إنّهم لا يريدوننا - نقطة! كلّ ما يريدون منّا القيام به هو العمل في هذه الوظائف الحقيرة لخدمتهم - وهذا كلّ ما في الأمر. وضربنا على رؤوسنا كلّما شعروا بذلك. إنّهم لا يريدوننا في الشّارع لأنّه ثمّة معرض عالميّ قادم. يعتقدون أنّ السّود كافّة عبارة عن قطّاع طرق على كلّ حال، أو متشردين، دون أيّ شخصيّة خاصّة بنا. وهكذا، يبعدوننا عن الشّوارع، حتّى يتمكن أصدقاؤهم من أوروبا أو باريس أو فيتنام - من أيّ مكان أتوا - من القدوم ورؤية هذه المدينة الّتي يفترض أنّها ستكون رائعة".
هناك بصيرةٌ مريرةٌ للغاية في ما يقوله هذا الصّبيّ - هذا "الزّنجي السّيّء" -، ولم يولد وهو يعرفها. لقد علّمناه إيّاها في سبعة عشر عامًا. إنّه في سنّ التّجنيد الآن، ولو لم يكن في السّجن، فمن المحتمل أن يكون في طريقه إلى جنوب شرق آسيا. العديدون ممّن هم في سنّه هناك، والحكومة الأمريكيّة والصّحافة الأمريكيّة فخورةٌ بهم للغاية. يموتون هناك مثل الذّباب؛ إنّهم يموتون في شوارع كلّ الأحياء الّتي تُشبه هارلم بشكلّ أكثر بشاعةً من الذّباب. قال لي أحد أفراد عائلتي عندما علمنا بتفجير أربع فتيات صغيرات في مدرسة صاندي برمنغهام، "حسنٌ، لم يعودوا بحاجةٍ إلينا للعمل. أين يبنون أفران الغاز؟" يشعر الكثير من الزّنوج بذلك؛ ما من طريقةٍ لعدم الشّعور بذلك. للأسف، نعرف مواطنينا وبلديّاتنا وقضاتنا وساساتنا ورجال شرطتنا ومجالس تجنيدنا جيّدًا. هناك أكثر من طريقةٍ لسلخ القطّة، وأكثر من طريقةٍ لإخراج الزّنوج السّيّئين من الشّوارع. لن يؤمن أحدٌ في هارلم بأنّ زنوج هارلم السّتّة مذنبون - ويعلم الله أنّه لم يقم دليلٌ على ذنبهم بالتّأكيد. يعرف سكّان هارلم، بالرّغم من ذلك، أنّهم قد تعرّضوا لسوء المعاملة وربّما دُمِّروا، ويعرف سكّان هارلم السّبب - لقد عشنا معه منذ أن تفتّحت أعيننا على العالم. الواحد منّا في الوضع المستحيل المتمثّل في عدم القدرة على تصديق كلمة يقولها مواطنونا. "لا أستطيع أن أصدّق ما تقول"، تقول الأغنية، "لأنّني أرى ما تفعل" - كما أنّ الواحد منّا يعيش تحت ضرورة الهروب من الغابة الّتي تفرض هذا الوضع إلى أيّ غابةٍ أخرى مهما كانت. إنّه أقسى تعليق ممكن على وضعنا الآن أنّ الشّكَّ حيٌّ في صدور الكثيرين بأنّ أمريكا قد وجدت أخيرًا طريقةً للتّعامل مع مشكلة الزّنوج. "إنّهم لا يريدوننا - نقطة!" الأرض يرثها الودعاء، كما يُقال. يقدّم هذا صورةً قاتمةً للغاية لأولئك الّذين يعيشون في الأراضي المحتلّة. سيكون لأهل جنوب شرق آسيا الودعاء - الباقون منهم - انتخاباتهم الحرّة، وسيدخل الزّنوج الأمريكيّون الودعاء - النّاجون منهم - "المجتمع العظيم".

المصدر:
https://www.thenation.com/article/archive/report-occupied-territory/