تسعة مشاهد فقط، كانت كافية للمخرجة التونسية كوثر بن هنية لإيصال الذل والإهانة والألم والغضب الذي تعرّضت له الشابة مريم (مريم الفرجاني) البالغة ٢١ عاماً في ليلة واحدة فقط، بدءاً من معاناتها من النظام الأبوي والاغتصاب وفساد الشرطة والنظام الصحي، وانتهاءً بالنظام الاجتماعي الكامل لتونس (أو أيّ دولة عربية أخرى). احتفال طلابي، رغبت فيه مريم (مريم الفرجاني) بالرقص والضحك والفرح، ولـِمَ لا بالتعرف إلى يوسف (غانم الزرلي) الشاب الوسيم والناشط الثوري. ليلة انتهت بقتال ليلي من أجل احترام حقوقها وكرامتها، لكن المشكلة أن من يجب عليهم مساعدتها هم جلادوها.يقدّم لنا «على كف عفريت» (2017 ــــ مع أنني أفضّل الترجمة الأجنبية «الجميلة والكلاب» ولكن العنوان العربي يحمل معنى سياسياً أمنياً يتّضح في الفيلم) رحلة في مدينة مصاصي الدماء. ليلة تجتمع فيها الذئاب حول فريسة واحدة، وتتنافس في ما بينها على نهش لحم الضحية. اللون الأزرق الجميل لفستان مريم، يستحيل كابوساً يذكّرنا بأفلام الرعب (الجياللو) التي تضع قصصها المرعبة بين الواقع والحقيقة التي لا يمكن تصديقها.
الفصول التي تشكّل «على كف عفريت» الذي طرح أخيراً على نتفليكس، تمنح الفيلم هذا الشعور باليأس الذي لا نهاية له. حتى النهاية التي تحمل الأمل، كانت ضبابية، لأنّ الموضوع قديم ولم ولن ينتهي مع نهاية الفيلم. المرأة التي عاشت لقرون من الشك حيال حياتها الجنسية ومظهرها وكل شيء، لم تستطِع في أكثر المجتمعات العالمية المتقدمة مدنياً أن تتخلص من كلمة «خاطئة». المرأة هي التي أكلت التفاحة، وبالتالي تستحق ما يحصل لها لغاية اليوم. حتى النساء اللواتي حاولن أن يساعدن مريم، لم يقدمن أكثر من كلمات التعاطف الصغيرة. وحتى يوسف الذي ساعدها طوال الفيلم، تبدو نواياه مشكوكاً فيها. لا يمكن تصديق أحد في الفيلم غيرها. الجميع كذابون وذئاب شرسة هدفها حماية القطيع.
قصة حقيقية، خبر أثار الضجة في تونس، تحول إلى كتاب بعنوان ملفت «مذنبة لأنها تعرضت للاغتصاب»، قدمته بن هنية على الشاشة الكبيرة، بسلسلة طويلة من العذابات التي لا مفرّ منها. لاحقت بن هنية مريم في كل المشاهد التي أعطت للفيلم إيقاعاً مستداماً، غرست فيه التوتر، خاصة في النصف الثاني عندما تجد مريم نفسها محاصرة في عرين من اغتصبها، حيث الكلاب الشرسة تحوم حولها، والمذنبون وأصدقاؤهم يظهرون مثل وحش حقيقي على استعداد لفعل أيّ شيء لتخويف الشابة وثنيها عن تقديم الشكوى. يبرز الشريط مدى صعوبة أو استحالة تغيير عادات وتقاليد وعقلية بلد ومجتمع بأكمله.
«تشتكين من الاغتصاب وأنت بهذا الفستان الفاضح؟»، «دكتور، أردت أن أعرف إن كانت هذه أول مرة لها»، «ساقطة، عاهرة»، «ألا يوجد من يحكم فيكِ؟»... هذه الأقوال صدرت عن مؤسسة الشرطة، عن رجال غلبت ذكوريتهم ضميرهم المهني والإنساني. في بلد قطع شوطاً في مجال منح المرأة مكتسبات قانونية مقارنة بالدول الأخرى، وخاض معارك كثيرة للتخلص من الديكتاتورية والتحول إلى دولة ديمقراطية تحترم حقوق المواطنين بالتساوي؛ لا يزال فيها رجال الشرطة أنفسهم يستبيحون جسد المرأة بالنظرات المهينة واللمسات وكأن الذكورية هي مهنة الرجال الأولى، الدستور الذي يعلو ويحكم أي قانون آخر.
على الرغم من أن الفيلم مُفرط في بعض الأحيان بالميلودراما والإفراط في التصرف ووضوح الكليشيهات، إلا أنّ اللافت أن هذه الكليشيهات هي حقيقية، لم تستعملها بن هنية بل عرضتها فقط، ومن خلالها كشفت هشاشة مجتمعاتنا، واستخفافنا بمثل هذه الحوادث وكيفية التعامل معها.

* Beauty and the Dogs على نتفليكس