الليلة، نحتفل بمرور سنة على تقديم عرض «هشك بشك شو» في «مترو المدينة». إنه تمام الساعة السابعة والنصف، موعد الـ Sound Check الذي لن يبدأ قبل نصف ساعة بالتأكيد، ريثما يجهز جواد شعبان (مهندس الصوت) وراء Ngji، أو نتعازم نحن والموسيقيون لاتخاذ أماكننا على الخشبة. الدوزان، متعة الموسيقيين وشقاء المغنين.
تلك هي المرحلة الأولى التي لا بد من تجاوزها قبل أن ينطلق زياد جعفر بأداء «الكوكايين» لسيد درويش. لكننا فعلياً نتغاضى عن الكوكايين وننتظر دائماً الموّال الذي يسبق «أوعى تكلمني»، فزياد جعفر يخصنّا خلال الـ«ساوند تشيك» بموّال جديد كل مرّة. ومَن كان ليقول إنّ زكريا أحمد الذي لحن العديد من الأغنيات لأم كلثوم ومنها طقطوقة «قلي ولا تخبيش» الذي يؤديها في العرض زياد الأحمدية، لحّن أيضاً «أوعى تكلمني» التي غنتها عزيزة حلمي المصرية بدلاً من نادية لطفي في فيلم «قصر الشوق». إنه زمن عرف فيه الفنانون معنى الجمال والمتعة. فنانون عرفوا كيف يقدّمون الطقاطيق والألحان الشعبية الجميلة إلى جانب الأغنيات الطربية. حتى «من حبي فيك يا جاري» لحورية حسن التي تؤديها ياسمينا فايد في العرض، كان قد لحنها محمد الموجي قبل أن يلحن لأم كلثوم أغنيات مثل «إسأل روحك» و«للصبر حدود». أما أغنية «حبيبي يا رقة» التي غنتها تيتا صالح بدلاً من هند رستم في فيلم «اعترافات زوج»، فليست سوى من ألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب، وفي العرض هنا تؤديها لينا سحاب بدلعها الخاص.
لكن عودة إلى الـ«ساوند تشيك». بعدما تأكدت ياسمينا فايد أنّ جميع ملابسها وأكسسوراتها جاهزة في أماكنها، ووضعت وردة ومكنسة كاتب هذه السطور في مكانها على المسرح، بسبب سوابق النسيان، ها هي تضع كوب الماء (أو الكونياك أحياناً) الخاص بها على البار. تنتظر دورها في تجريب مطلع أغنياتها خلال العرض. الفكرة الأساسية وراء «هشك بشك شو» كانت لياسمينا فايد. بعدما أدت أغنيات من الأفلام المصرية في أحد فصول عروض الكباريه السابقة في «المترو»، اقترحت على هشام جابر (المدير للفني لـ «المترو») تقديم عرض كامل يعيد إحياء أغنيات الزمن المصري الجميل، فما كان من الأخير إلاّ أن وافق وبدأت التحضيرات. اختارت ياسمينا ريبيرتواراً كبيراً من الأغنيات تمتد من العشرينيات حتى السبعينيات، وتناقشت مع جابر في ما يصلح تقديمه، ثم جرت دعوة زياد الأحمدية ليبدي رأيه الموسيقي ويضيف خياراته. بعدها، قام كل منهم بدعوة فنانين وأصدقاء للمشاركة في العمل، ليتكوّن في النهاية من أربعة موسيقيين واثنين في الكورس والغناء المنفرد، والفرقة وراقصة، بالإضافة طبعاً إلى ياسمينا فايد، فيما قاد هشام جابر عملية الإخراج، لتصدق ماري عزّ الدين في أغنيتها «الحلو في البرندا شاورلي وبصلي».
هكذا، تكونت الفرقة من مجموعة من الموسيقيين الذين لم يترددوا يوماً في اتباع الإرشادات الإخراجية، وتجسيد الشخصيات بأدق تفاصيل حركات الوجه والجسد على المسرح. أما مرافقة كاتب هذه السطور للينا سحاب في العرض، فلا متعة تضاهيها، خصوصاً خلال الأحاديث الجانبية بين الشخصيات على البار، أو عندما تدخل الراقصة رندا مخول، وتبدأ لعبة الغيرة والعلاقة الثلاثية. أما ياسمينا، فلها حضور مختلف على الخشبة. حضور قادر حتى بعد سنة على إبهارنا في كل عرض بتفاصيل جديدة تضيفها على المغنى وعلى أدائها التمثيلي، وتمكّنها من الشخصية: من المعلمّة في الكباريه إلى الحالمة في رائعة السيد مكاوي «بيانولا» ومع شاديا في «سونا»، ثم حالة «السعدنة» كما يحلو لها أن تسميها في «مصطفى» لبوب عزام، وصولاً إلى الفقرة الصعيدية الأخيرة. وليس سراً أنّ أغنيات ليلى نظمي مثل «ما شربش الشاي»، خصوصاً «خليه يتجوز يا بهية»، تحتل المرتبة الأولى في البهجة المسيطرة على المسرح، فرقةً وجمهوراً، لا سيما في التفاعل البديهي والذكي الذي تقوده ياسمينا فايد مع الجمهور.
طبعاً، لم ينتهِ بعد الـ «ساوند تشيك». نتوقف قليلاً للتأكد من صوت الطبلة. بهاء ضو، عازف الإيقاع في الفرقة، من أكثر الموسيقيين انضباطاً وخلقاً من دون أن يخلو الأمر من الطرفة من حين إلى آخر. أما سماح أبي المنى على الأكورديون، فلن يفوّت لحظة دون أن يرطب الأجواء بطرفة أو تهريجة تكاد أحياناً تفضحنا ضحكاً خلال العرض. ها قد أشرفنا على الانتهاء من الـ«ساوند شيك»، خصوصاً أنّ زياد الأحمدية لن يحاول الغوص في «العتبة قزاز» الآن، حفاظاً على صوته. إنها فعلاً لحظة ختامية مجيدة للعرض، تنطلق بها ياسمينا فايد، فيما الكورس يكرّر اللازمة، ووسام دالاتي يدور كالدراويش، ورندا مخول تتحدى جاذبية سقوط العصا عن رأسها وهي ترقص حين يستلم سماح أبي المنى صولو الأكوردكيون، ثم يتخلى زياد جعفر «الكسيح» عن كرسيه المدولب ليحقق الأعجوبة الموسيقية عزفاً على الكمان. يختم زياد أحمدية في تفريده على العتبة، صعوداً وصعوداً حتى النشوة. لكن قبل الوصول إلى موعد النشوة، لا بد للارا نصار بمساعدة صومر راشد أن ينتهيا من تثبيت الإضاءة، ولنديم صوما وفريق عمله أن يتأكّدا من الفيديوهات التي نفذاها خصيصاً للعرض. فريق لا نراه على الخشبة، تابع تصميم العرض وتنفيذه منذ البداية حتى اليوم، وأضفى جميع التفاصيل الدقيقة لكي تكمل جمالية العرض مسرحياً. أمّا سارة نهرا، مساعدة مديرة الإنتاج، فهي المحرك الرئيسي في «مترو المدينة». تجدها تنتظرنا في الكواليس لتتأكد من جهوزيتنا التامة قبل كل عرض، في يدها الساعة وعلى وجهها ابتسامة تستعجلنا للخروج إلى الصالة الممتلئة بالجمهور.
لكن ما زال هناك نصف ساعة لبدء العرض. ها هي رندا مخوّل (الراقصة) تدخل الكواليس وربما تصل اليوم مع دزينتين من البيض لم تلحق تزيينها بعد. ولمن لا يعلم، فرندا التي تسحرنا بجمالها وخفتّها في الرقص، تعلّم أيضاً مادة الفنون التشكيلية للأطفال في النهار، ولا بد من أن تبدأ بتحضير زينة عيد الفصح. أما وسام دالاتي الذي يلعب دور ولد الفرقة في العرض، ويؤدي أغنية «ذهب الليل» (صمم ونفذ أزياء العرض)، فلا بد أن يساعد حالياً الموسيقيين على لصق شواربهم، ويتأكد من إشعال الفحم وتحضير البخور. لم يبق سوى عشر دقائق قبل بدء العرض، أي الفرصة الأخيرة للمدخنين لإشعال آخر سيجارة، فيما سارة نهرا تنتظرنا عند الباب الخلفي للمسرح لتغلقه وراءنا وتعطي الإشارة إلى هشام جابر لفتح الستارة أمام الجمهور.
المخرج هشام جابر حاضر دوماً معنا خلال اللحظات الأخيرة في الكواليس، يتجول بيننا ويذكرنا ببعض الملاحظات الإخراجية لو دعت الحاجة، ثم ينسحب إلى الصالة بعد أن يتأكد أن الجميع أصبح جاهزاً. من موقعه قرب الحائط، يشاهد العرض كل ليلة، ويفرح معنا لأصغر التفاصيل، ويطرب لأغنية «العتبة قزاز»، سعيداً بالعرض والجمهور المتنوع، وبنجاح مشروع «مترو المدينة». من خلف الستارة، الجميع في مكانه. كاتب هذه السطور يحضّر بسعادة بودرة الكوكايين الوهمية، ولا بد من تكرار سمفونية: «سارة دخلك داير الآي سي/ سماح تذكرت تجيب الطار والكاس/ رندا ما تنسي العلكة/ ووسام الله يرضى عليك ما تكتر بخور/ إيش معنى يا نخ؟ الكوكايين كخ.... آخ، بلشنا».

يمكنكم متابعة روي ديب عبر تويتر | @RoyDib00





«هشك بشك شو» كل خميس وجمعة ـ «مترو المدينة» (الحمرا) ـ للاستعلام: 76/309363
يحتفل «مترو المدينة» ليلة الغد الجمعة (بدءاً من 00:30 بعد العرض) بإطفاء «هشك بشك شو» شمعته الأولى، الدعوة عامة