إقفال المدارس والجامعات... تسكير المطاعم والمقاهي والملاهي والحانات... إلغاء جميع المؤتمرات والاجتماعات... وقف الأعمال والأنشطة التي تضم تجمعات... الامتناع عن السفر إلا عند الضرورة... الكوكب كله في حالة شبه إغلاق، واللبنانيون في منازلهم يحجرون أنفسهم في «عصر كورونا». المشهد العام يصيب بالتوتر والقلق. قضاء 24 ساعة في المنزل حتى إشعار آخر وضع «غير طبيعي»، وتغيير النمط الاجتماعي أيضاً ليس محبباً. لكن ما البديل؟ السينما! ولكن السينما بمفهومها المعتاد ليست متاحة الآن أيضاً، فما لنا إلا «السينما المنزلية» كحلّ موقت. بالرغم من أنني أرفض استبدال صالات السينما بالمواقع التي تعرض أفلاماً مجانية، واقتحام «نتفليكس» ليتربع على عرش مملكة الأفلام، إلا أن هذا البديل هو المتنفّس الوحيد في «عصر كورونا». إذاً ما هي الأفلام التي يمكن مشاهدتها والاستمتاع بها وتحويلها إلى عادة يومية خلال العزل المنزلي؟ الشرط الأساسي هنا يكمن في ولوج عالم الأفلام التي تبعدنا ولو قليلاً عن حالة القلق والذعر السائدة، وتفصلنا عن الواقع... لعلها أفلام فاتتنا في السابق أو البدء بتجربة مشاهدة الأفلام للمرة الأولى... مثلاً!؟ لا نريد أفلاماً متعبة، بل أعمالاً تجعلنا نفكر في لحظة لا تتطلب التفكير، ونصمت عندما يحين الحديث. هي الأفلام التي لا تعتمد على قواعد «تقييمية» معينة، بل استطاع مخرجوها تقديم سيناريوهات لقصصهم بأسلوب ممتع وجذاب. ليست أفلاماً «كورونية» بل أعمال عن الحب والعلاقات، الصداقة وصعوبات الحياة، الإنجاز وتحقيق الأهداف، أقل ما يقال عنها: أفلام تشبهنا إلى حد كبير. الأفلام التي سنتحدث عنها في هذا المقال، متوافرة على «نتفليكس»، فلنتلقّفها في انتظار الفرج!
«إشراقة أبدية للعقل المتنوّر» ميشال غوندري/ أميركا


«لقد تم مسحك من ذاكرة شخص ما». عبارة قرأتها ضمن رسائلك الإلكترونية. بمن ستفكر أولاً؟ من الذي سيمحي وجودك من حياته؟ هل وصلت إلى إجابة؟ العبارة ذاتها، قالها أحد أصدقاء المخرج الفرنسي ميشال غوندري في حوار بينهما. لحظتها، بدأ المخرج بتحويل العبارة إلى فكرة قابلة للتنفيذ، قدمها لكاتب السيناريو والمخرج تشارلي كوفمان، الذي أبدى شغفه بالقصص غير الاعتيادية. والنتيجة ترجمت على شكل فيلم مؤثر وهادئ ومثير للدهشة. فيلم حول سخافات الحب وجنون العشاق من إخراج غوندري وكتابة كوفمان. بالعودة إلى الفكرة، كم مرة أردنا محو أحداث لا نحبها من ذاكرتنا؟ وكم مرة تمنينا لو استطعنا إزالة أثر علاقات أو آلام أو أشخاص من الذاكرة نفسها؟ فيلم «إشراقة أبدية للعقل المتنوّر» (2004) يحوّل المستحيل إلى حقيقة. يمنح القدرة لإزالة أشخاص أيّاً كانوا من الذاكرة. أما مستخدمو هذه التقنية، فهم أزواج وأحباء سابقون غير سعداء، يلجأون إلى عيادة متخصصة للقيام بعملية المسح.
يأخذنا الفيلم إلى ماضي العلاقة ويضعنا في الأحداث الآنية ويرمينا في نهاية العلاقة مع انبعاثات غير متوقعة للمشاعر القديمة المنسية. لن أسرد تفاصيل القصة لأن المتعة الخاصة بالفيلم هي عنصر المفاجأة، لتبقى فكرة التحكّم بالذاكرة كافية لتدخلكم عالم هذا الفيلم. يخبرنا الفيلم عن الحب من الزاوية الأكثر إيلاماً: النهاية. وإذا كان الحب غير أبدي، فمقولة «إلى الأبد» لن يبقى لها معنى. ونحن نحبّ لأنه لا يمكننا إلّا أن نحب. ولو كنا نعلم بأن للحب نهاية، فسوف نبقى نحب. وبينما يحاول جويل وكليمنتين الهروب من عالمها المحطم، نشهد تسامي حبّ لديه الشجاعة بألا ينسى، بل أن يواجه، ويحاول مرة أخرى ولا يفقد الشيء الثمين في الحياة.
في بعض الأحيان نكون سعداء فقط في رؤية فيلم ذكي، خفيف، خيالي يلامس هواجسنا منذ بداية المشهد الأول. «إشراقة أبدية للعقل المتنوّر» واحد من هذه الأفلام. قصة حب خيالية مبنية على «ماذا لو؟». غوندري وكوفمان يميلان للمزج بين السذاجة والفلسفة، في فيلم يحفز الفكر التحذيري بلغة سينمائية تخدم الفكرة فقط، من دون الوقوع في فخ سيطرة المخرج على السينما. فيلم لا يخاف شيئاً حتى لو كان «كيتش»، جريء ومبدع وجدلي بشكل كبير.
Eternal Sunshine of the Spotless Mind

«المصارع» دارين أرونوفسكي/ أميركا


شعور يصعب وصفه، عندما تتلاشى الشاشة إلى اللون الأسود في فيلم «المصارع» (الأسد الذهبي، مهرجان البندقية 2008)، مع سماع الأغنية الرائعة التي تحمل الاسم نفسه للمغني بروس سبرينغتين والتي تبدأ مع النهاية. ينتابك هذا الإحساس الحاد ليس بسبب شدّة الآلام التي شاهدتها، ولكن بسبب استحالة عدم التعاطف مع مقاتل الحياة راندي «الرام» روبنسون. إنه نموذج المقاتل الذي يعيش من أجل عاطفة القتال، مشبعاً بحماسة جمهوره. المدمر الذي يتخذ من الحلبة منزلاً له... العاجز عن عيش حياة مختلفة عن تلك التي قادها على مدى أكثر من عشرين عاماً. ليس بإمكانه الظهور كشخص غير قابل للتدمير، كفرد عادي لا محارب، ولا أن يعترف بأن جسده يلفظ الأوتار الأخيرة من مسار حياته.
قصة «المصارع» ليست أصيلة بشكل خاص، وليست عن المصارعة الحرة. إنها قصة تقدم منظوراً جديداً لعالم النضال. فيلم يقدم دراما مفجعة وكثيفة وعاطفية، تحوم حول الفشل وعواقبه، توصل المشاعر الوحشية والحقيقية بسبب بطل القصة. إنه المصارع في أواخر حياته المهنية، يعيش على ماض يرافقه كظل عملاق يخيّم على حاضره. راندي (ميكي رورك في أفضل أداء له في حياته) في مواجهة وضعه الجديد بعدما أصابته مشكلة صحية خطيرة تمنعه من الاستمرار في الأمر الوحيد الذي عاش لأجله. الآن، حان الوقت لدفع الثمن. هذا الوضع يجعله يعيد التفكير في سبب وجوده، وينطلق مع القليل من الدوافع وما يكفي من الإيمان الذاتي، للقيام بتحدٍّ خاص: العودة إلى ابنته الوحيدة التي هجرها والعثور على حب يصعب تحقيقه. فيلم بشخصيات معقدة، إنسانية للغاية، محددة أكثر بتفاصيلها وإيماءاتها وحركاتها ومظهرها أكثر من كلماتها. قصة عظيمة لمقاتل كبير، بسيط، متواضع وإنساني، معاناة وسوء حظ في رحلة تذوّق المجد. درس عن العواطف والطموحات والأحلام التي غالباً ما تكون كاذبة مثل قتال شرس يتسبب في خسائر فادحة عند مواجهة الحياة.
The Wrestler

«عن الجسد والروح» إيلديكو انييدي/ المجر


«عن الجسد والروح» (دب برلين الذهبي 2017) فيلم للمخرجة المجرية إيلديكو انييدي البالغة 64 عاماً. صانعة أفلام بطريقة ذكية وإبداعية، تتمتع بقدرة تكوين مشاهد ترسخ في الأذهان لتغلّف بها قصة حب مطابقة للأحلام، ولكن داخل أكثر الأماكن دمويةً: المسلخ. اندري، المدير المالي في مسلخ والمشلول اليد، انفصل عن زوجته، ويعيش في شبه عزلة. ليس لديه علاقات اجتماعية وهو بعيد عن زملائه. لا ينام في حال شاركه أحدهم السرير. ماريا، المسؤولة الجديدة عن الجودة في المسلخ، تبحث عن الكمال في العمل حدّ الهوس. خجولة ومصابة بالتوحد. نالت إعجاب اندري منذ اليوم الأول لها في المسلخ.
حياتهما عالمان منفصلان ومتباعدان. لا أرضية مشتركة تجمعهما إلا عندما تغلبت السوريالية على واقعهما، لتختصر المسافة بينهما بشكل مفاجئ ويكتشفان بأنهما يتشاركان الأحلام الليلية المتكررة يومياً. «عن الجسد والروح» هو دراسة الثنائيات. الإيماءات البشرية والأبقار المذبوحة المعلقة للسلخ تدفع الأحداث إلى رواية رومانسية. الازدواجية بين الحلم والواقع. بين النوم واليقظة. الحياة الطبيعية والحضرية. فيلم ينتقل من الوحشية إلى الرقة. صورة هادئة لشخصيات رقيقة. ينتقل الفيلم من الواقعية إلى الروحانية والأحلام متّبعاً القناعة المطلقة. انسيابية انييدي تبني مناخات متنوعة ومبهرة، في فيلم أنيق سينمائياً يبرز التفاصيل بحساسية وجرأة لشخصيات مشوشة. لدينا أكثر من حكاية في «عن الجسد والروح». هذه المفاجأة الجميلة من المخرجة المجرية، تكمن في قصة الحب الأكثر غرابة والأكثر شاعرية. قصة مبنية على اللحظات، الالتفافات، النظرات وأيضاً التواصل الغريب الأكثر من خيالي. «عن الجسد والروح» هو تقاطع الأحلام مع الواقع بطريقة رومانسية، في حكايتين. رجال ونساء ومواشي ودماء وجلود ومسلخ. عربات تجر الماشية إلى محطتها الأخيرة بعيون خائفة منتظرة الموت المحتم. الطبيعة المثالية، والغابة المكسوة بالثلج والمسوّرة بالأنهر. غزال وظبي، هما قصة رجل وامرأة يتقابلان عند المنام ليتشاركا الحلم نفسه كل ليلة.
On Body and Soul

«وفاة السيد لازاريسكو» كريستي بويو/ رومانيا


يصنف على أنه كوميديا سوداء ولكن «وفاة السيد لازارايسكو» (جائزة مسابقة «نظرة ما»، مهرجان كان 2005) فيلم درامي في الدرجة الأولى. فيلم عن معاناة طويلة تتخلله بعض اللحظات الفكاهية السوداء الساخرة، كي تدفع للابتسام بحرقة على البشاعة البشرية. الفيلم الثاني للمخرج الروماني كريستي بويو، والأكثر شهرة له، يعد شريان الحياة الأولى لما يسمى «الموجة الرومانية الجديدة»، تيار سينمائي اشتهر بأفلامه الواقعية البسيطة. «وفاة السيد لازاريسكو» مأساة حقيقية للواقعية، فيلم يؤديه ممثلون محترفون لكنّه صوّر على شكل وثائقي. فيلم جذّاب لما يبثه من أجواء الانفصال العاطفي الساخر لعالم المستشفيات والنظام الصحي الاجتماعي.
السيد لازاريسكو، يعيش وحيداً مع ثلاث قطط في منزل بلا روح في بوخارست. يعاني من صداع سيئ منذ أيام. يتقيأ دائماً، يتألم من جرحه القديم بعد عملية جراحية أجراها مؤخراً، فيشعر بضرورة استدعاء سيارة إسعاف لنقله إلى المستشفى. يبقى طوال الليل متنقلاً بين مشفى وآخر. كل مستشفى تشخص حالته بشكل مختلف، وترسله إلى مستشفى آخر بحجة عدم توافر أسرّة أو نقص في عدد الموظفين، أو غياب المعدات اللازمة، أو بسبب جهل وبرودة الممرضين والأطباء. يمزج بويو في فيلمه انتقادات اجتماعية حكيمة وقاسية مع موضوع الموت والعزلة والوحدة. مفجع في صرامته. مقلق في طريقة سرده. يعمل على مستويات مختلفة بطريقة سردية وتصويرية متعبة إلى حد ما، لتصل إلى مرحلة الجمود الصادم. يؤطّر بويو المعلومات ويضعنا في اختبار شهيد العيان. يرفض الإغراءات العاطفية بل يقدم فحصاً دقيقاً لعلاقة الإنسان بالموت والشيخوخة والمرض والمخاوف التي تأكل الروح.
The Death of Mister Lazarescu

«الجمال العظيم» باولو سورنتينو/ إيطاليا


مرحباً بكم في روما البرجوازية، رحلة بتذكرة من الدرجة الأولى. ملحمية، خصبة، مثيرة، ايروتيكية، مأساوية بشكل مذهل، وغالباً ما تبدو سوريالية. هذا هو الواقع، هذه هي روما للمخرج الإيطالي باولو سورنتينو، ونحن محظوظون بما يكفي لرؤيتها من خلال عينيه لمدة 3 ساعات. كومة من القصص القصيرة التي ترتبط ببعضها البعض في ذهن الرجل الأنيق جيب غامبارديلا (توني سيرفيلو). غامبارديلا، الرجل الساحر. البرجوازي الذي يعيش الحياة الليلية الفخمة في روما لعقود من الزمن.
بعد النجاح الأسطوري لروايته الوحيدة، أصبح لاعباً أساسياً في الأوساط الأدبية والاجتماعية في المدينة. لكن عندما يتزامن قدوم عيد ميلاده الخامس والستين مع صدمة الماضي، يستعرض غامبارديلا حياته بشكل غير متوقع، يعكس رؤيته على نفسه والآخرين، ويتطلع إلى ما بعد النوادي الليلة والحفلات والمقاهي من أجل العثور على روما في كل أمجادها وخلودها الجمالي العبثي الرائع. على مستوى القراءة الأولية، يمكن اعتبار «الجمال العظيم» تحديثاً لـ «لا دولتشي فيتا» لفيلييني. ولكن تحفة سورنتينو تخفي العديد من المواضيع المكثفة. فيلم تمتزج فيه النكتة المضحكة بالحزن، ويغرق القلق الوجودي في الحفلات الضخمة. الشريط مبني على المفارقات: الموت بلا معنى مقابل حياة فارغة، الغنى مقابل الفقر، الالفة الحقيقية مقابل المعارف الكثيرة.
فيلم صور في شوارع وطرقات وحواري روما، وفي بيت يطل مباشرة على الكولوسيوم. الجمال في كل مكان، لم تظهر روما أبداً بهذا الجمال، خاصة عندما يسير غامبارديلا في أزقتها عند ساعات الفجر. لم نشهد جمال الحفلات إلا عندما يقيمها غامبارديلا في منزله. ولم نستمتع بأحاديث الفراغ الوجودي إلا عندما يتحدث عنها غامبارديلا. فيلم شغوف بروما ليكشف معنى الحياة، يجذب كل من يشاهده. «الجمال العظيم» فيلم سينمائي يصيب بالهذيان. كلا، ليس فيلماً سينمائياً فحسب بل حالة ذهنية!
The Great Beauty

اقتراحات اضافية
كثيرة هي الأفلام المتوافرة على نتفليكس، الجواهر السينمائية المخبأة بين أطنان من الأفلام التجارية الفارغة، ولكن قليلة هي المساحة للكتابة عنها كلها. ما سبق هو القليل والباقي نذكر أسماءه من دون الكتابة عنه

Lost in Translation - Sofia Coppola
First Reformed - Paul Schrader
Calvary - John Michael McDonagh
Only Lovers Left Alive - Jim Jarmusch
Little Men - Ira Sachs
La La Land - Damien Chazelle
Spirited Away - Hayao Miyazaki
Dazed and Confused - Richard Linklater
Goodfellas - Martin Scorsese
The Godfather - Francis Ford Coppola
Scarface - Brian De Palma
American Honey - Andrea Arnold
Seven - David Fincher
The Ballad of Buster Scruggs - Coen brothers
American History X - Tony Kaye
The Wolf of Wall Street - Martin Scorsese
The Hateful Eight - Quentin Tarantino
Django Unchained- Quentin Tarantino
Argo - Ben Affleck
The Irishman - Martin Scorsese
Casino - Martin Scorsese
Birdman or (The Unexpected Virtue of Ignorance) -  Alejandro G. Iñárritu
The Lobster - Yorgos Lanthimos
Very Big Shot - Mir-Jean Bou Chaaya
What We Do in the Shadows - Jemaine Clement and Taika Waititi
Clash - Mohamed Diab
Roma -  Alfonso Cuarón
Shame – Steve McQueen
2001: A Space Odyssey - Stanley Kubrick
Million Dollar Baby - Clint Eastwood
The Stranger - Orson Welles
The Age of Innocence - Martin Scorsese
She's Gotta Have It - Spike Lee