سامر محمد إسماعيل*بعد ثلاث سنوات على الكارثة الوطنية، أعتقد أننا في صدد التحضير لعرض آخر. السوريون الذين قدموا أغلب مسرحياتهم باللغة الفصحى؛ كانوا يحرصون دوماً على أن يعمّروا حديقةً خضراء في عمق الخشبة؛ يشربون نبيذاً وهي تمطر عبر مؤثرات الإضاءة والصوت؛ يضمون حبيباتهم في عتمة المسرح، وهم يعرفون أو لا يعرفون أن هذا كل ما يرتجونه في العيد الثالث للمجزرة. الاستحمام بالضوء وورائهم حديقة بأشجار ديكور مؤقت، يدخنون ويشربون على الخشبة كأنهم نسخة من حكايات عالمية، فيوماً ما سيعود الوطن إلى مسلسلاته السورية.

سيعود برنامج «حكم العدالة» إلى الإمساك بالمجرم الذي اغتصب «المغدورة ملك» كي يسرق صيغتها، وسيعود المذيع علاء الدين الأيوبي ليسأل الجاني عبر برنامجه «الشرطة في خدمة الشعب»: «هل أنت ندمان أيها الشعب»؟ وطبعاً سيجيبه الشعب: «ندمان يا سيدي... والله ندمان وصرفت النقود على ملذاتي الدموية». فعلاً اشتقنا لمجرمي «حكم العدالة» البريئين الطيبين، السذّج. أما أنا فكعادتي سأنخّلُ عقبان ليراتي السورية من دولارات السماسرة في بلادٍ شربت من نهر الجنون، فـ «شارع الحمراء» أخضر، و«مسرح الحمراء» أزرق، أما علبة تبغي الحمراء طويلة وبنفسجية. الله يا حرية. ليس مصادفةً أن يلتهم القتلة أكباد ضحاياهم، ليس مصادفةً أن يشووا رؤوساً وهم يرددون: «بندورة...بندورة»، وليس مصادفةً أن يكون الأحمر اللون الأعلى في العلم السوري، لكنه ليس بندورة، ليس بندورة.
أجل، بعد ثلاث سنوات على الملحمة السورية، يبدو أن يوم الجمعة لم يعد صالحاً للكفاح الثوري. أعتقد أن الساعة حانت لاتخاذ يوم الثلاثاء بديلاً عنه وتسمية أيامه «تكتيكياً» من اليوم وصاعداً. أعيدوا لنا جمعتنا السورية، يا أخي خذوا الثلاثاء. والله إنه يوم حلو ومناسب و «ثوري»، وليكن اسمه «ثلاثاء جمعة الندم على سوريا»، فكارمن السورية ما زلت تراقص ثورها العجيب وتدلّك له قرنيه بزيت الخديعة. تمرر وجهه على مفاتنها الدفينة، ثم تغرس في جبهته دبوس شعرها الأخضر على هيئة نجمتين.
بعد ثلاث سنوات على هذا الفيلم الأميركي الطويل، أخبار البيض والفروج لا تطمئن. الأسعار أمست مسعورة؛ والبشر على ميزان الذبح العمومي، تلفزيون البيض والفروج والسيارات المفخخة. أرجوك يكفي «جظمظاً»...
بعد ثلاث شموعٍ حمراء في بلادي التي تُدبلجُ كلَ شيء، تُسحق الشفاهُ على نطع المونتاج، ويموت الممثلون في استديوهات الغاز فيما تُطحن حناجرهم السورية في مخادع «حريم السلطان». لكن أخيراً صار للموت صفحة على فايسبوك؛ كتب بخط رديء عبارة على حائطه «وحده الفايسبوك السوري أكبر صفحة وفيات مجانية، مجانية وستبقى مجانية.
*شاعر سوري.