قبل أقل من شهر، وتحديداً في العاشر من شباط (فبراير) الماضي، أكمل «طوم وجيري» عامهما الثمانين. في التاريخ نفسه من عام 1940 أبصر النور فيلم رسوم متحركة قصير بعنوان Puss Gets the Boot، سيتحوّل خلال السنوات اللاحقة إلى سلسلة الرسوم المتحركة الشهيرة التي ستأسر قلوب الملايين حول العالم. قبل ذلك بعام تقريباً، قدّم الفنانان، الأميركي من أصل سوري وليام حنّا والأميركي من أصل إيطالي جوزيف باربيرا، قصّة مصوّرة مرسومة بقلم رصاص إلى شركة الإنتاج «مترو غولدوين ماير» (MGM) لفيلم قصير يتمحور حول قط وفأر في حالة حرب دائمة. لم يمضِ الكثير من الوقت قبل أن يسمع حنّا وباربيرا مسؤولاً في الشركة يطلب من أحدهم طردهما، فما كان منهما إلّا اللجوء إلى رئيس قسم الأفلام القصيرة في MGM، فريد كويمبي، الذي لم ترُق له الفكرة إطلاقاً. لكن الإلحاح الشديد من قِبل الثنائي، دفع بكويمبي إلى الموافقة على إنجاز حلقة واحدة. هكذا، وُلدت Puss Gets the Boot التي لم تتجاوز مدّتها الدقائق التسع وتصل إلى السينمات في العاشر من شباط 1940. صحيح أنّه استسلم للأمر في النهاية، إلا أنّ فريد كويمبي لم يكن مقتنعاً بالنتيجة النهائية، وأمر حنّا وباربيرا بالبدء بالعمل على مشروع كاريكاتوري يتناول سمكة تحبّ الغناء. لحسن حظ الرجلَين، حقق Puss Gets the Boot نجاحاً ساحقاً في شبّاك التذاكر. الضجة في هوليوود كانت كبيرة أيضاً حول العمل الذي انتهى به المطاف في ذلك العام بالفوز بجائزة أوسكار عن فئة «أفضل فيلم رسوم متحركة قصير». أمام هذه المحصّلة غير المتوقعة، أدرك كويمبي أنّه كان يخوض معركة خاسرة، وأبلغ رسّامَيْ الرسوم المتحركة باستعداده لإنتاج فيلمَيْن آخرَيْن في العام التالي. في هذه المرحلة، لم يكن اسم الشخصيتين الرئيسيتين «طوم» و«جيري» بل «جينكس» و«جاسبر»، وفق ما ذكرت صحيفة «تلغراف» البريطانية. جاء تغيير الاسم بطلب MGM أثناء العمل على الفيلم الثاني The Midnight Snack الذي كان يُفترض طرحه في تموز (يوليو) 1941. أطلقت الشركة مسابقة لاختيار اسمين جديدين، فكانت مكافأة الخمسين دولاراً أميركياً من نصيب جون كار. وبعد الحصول على الضوء الأخضر لإنتاج المزيد من الشرائط، جمع حنّا وباربيرا فريقاً يضمّ حوالى مئة من رسّامي الرسوم المتحركة، عمل الكثير منهم سبعة أيام في الأسبوع في البدايات.
حملت الحلقة الأولى اسم Puss Gets the Boot

وبين عامَي 1940 و1957، صنع الثنائي 114 فيلماً قصيراً تراوح مدّة كلّ منها بين ست وثماني دقائق، من دون أن تستهدف الأطفال في البداية. كانت فقط أعمالاً سينمائية جادّة تهدف إلى الترفيه عن البالغين أثناء انتظارهم مشاهدة الفيلم الرئيسي الذي يختارونه. هذه الفترة حملت أيضاً 13 ترشيحاً للأوسكار و7 جوائز لأفلام: The Yankee Doodle Mouse (عام 1943)، Mouse Trouble (عام 1944)، Quiet, Please (عام 1945)، The Cat Concerto (عام 1947)، Mouse Cleaning (عام 1948)، Two Mouseketeers (عام 1952) وJohann Mouse (عام 1953). مع العلم بأنّ العمل على كلّ منها كان يستغرق أسابيع عدّة، وبكلفة تصل إلى 50 ألف دولار أميركي، ما يعني أنّ سنة كاملة لا يمكن أن تشهد إنتاج سوى بضع حلقات فقط، بحسب ما أوردت كيلي لي كوبر على الموقع الإلكتروني لـ «هيئة الإذاعة البريطانية». تتلخّص القصص في غالبيتها بقطّ يعاني من وجود فأر مزعج يشاركه منزله، فيحيك خططاً لا تنتهي للتخلّص منه. لكن حين يضع القط مصيدة فئران مفخّخة بقطعة شهية من الجبن أو ما شابه، يتمكّن الحيوان الصغير المستهدَف دائماً من الفرار بفضل ذكائه ومكره. أمّا النهاية شبه الثابتة، فهي: «طوم» يصرخ بغضب بعدما باءت خطته الجديدة للتخلص من خصمه اللدود «جيري» بالفشل، وانتهت بنتائج عكسية، تماماً مثل سابقتها. لكن على الرغم من ذلك، يقول المؤرخ السينمائي ليونارد مالتين في كتابه «الفئران والسحر: تاريخ الرسوم المتحركة الأميركية» إنّ مطاردة «طوم» لـ «جيري» هي من طقوس العمل، إلّا أنّ الجمهور أدرك بطريقة ما أنّ القطّ لا يريد أكل الفأر: «هناك رابط أساسي بينهما يمنح هذه السلسلة قوّة هائلة ويجعلها محطّ إعجاب كبير».
في عام 1957، أسّس باربيرا وحنّا شركتهما الخاصة «حنّا ــ باربيرا للإنتاج»، عقب إغلاق قسم الرسوم المتحركة في «ميترو غولدن ماير» بعد صعود شعبية التلفزيون، وإدراك مدراء القائمين على هذه الاستديوات أنّ بيع الحلقات القديمة يمكنه أن يحقق لهم مكاسب مماثلة للحلقات الجديدة. إلا أنّ MGM قرّرت عقب ذلك بسنوات عدّة إحياء «طوم وجيري»، من دون التعاون مع المبدعَيْن الأصليَّيْن. وفي عام 1961 أسست الشركة استديو في مدينة براغ لتوفير التكاليف، وكُلّف جين ديتش المولود في شيكاغو، بالإشراف على إنتاج حلقات جديدة، لكنّه عانى من ضيق الميزانية، إضافة إلى أن فريق العمل لم يكن لديه أي معرفة بالشخصيات الأصلية.
كان ديتش يعلم أنّه بما أنّه أوّل فنان يحاول تقليد الأصل، سيكون في مرمى نيران معجبي Tom & Jerry. ولطالما اعتبرت الحلقات الـ 13 التي أنتجت تحت إشرافه «الأسوأ على الإطلاق في تاريخ الشخصيتَيْن الشهيرتَيْن». بعدها، أوكلت المهمة للفنان تشاك جونز، الذي أصبح حاجبا «طوم» في عهده أثخن، كما تغيّرت ملامح وجهه. لكن حنّا وباربيرا لم يلبثا أن عادا إلى الواجهة في «مترو غولدن ماير» مع حلقات أطول وميزانيات أقل، فكيّفا أسلوبهما في التحريك، واستخدما حيلاً ذكية لتوفير الوقت والمال. في هذا السياق، سيطرت الأعمال التي صنعاها على حصة الأطفال من البرامج التلفزيونية طوال عقود، خصوصاً «فلينستون» و«سكوبي دو» في الستينات. العودة إلى «طوم وجيري» كانت حتمية في السبعينات. مع العلم بأنّه بموجب توجيهات جديدة خاصة بالبثّ التلفزيوني، أصبحت في هذه الفترة العديد من الحلقات المبكرة تعتبر «عنيفة للغاية». إلا أنّ الحلقات الجديدة التي أُنتجت حينها عن الثنائي اللدود، وصوّرتهما كصديقين، لم ترقَ أبداً إلى مستوى نجاح الحلقات الأصلية الأولى.
هذه المسيرة الناجحة المستمرّة لغاية اليوم، لم تكن خالية من الانتقادات. الاتّهامات بالعنف كانت حاضرة بقوّة، خصوصاً بوجود شخصية «مامي تو شوز»، مدبّرة المنزل السوداء السمينة التي لا يظهر منها سوى القسم السفلي وساقيها الغليظتين وحذائها الأسود الكبير. من دون أن ننسى طبعاً النكات الساخرة أحياناً من آسيويين أو من سكان أميركا الأصليين.
حصدت السلسلة العديد من جوائز الأوسكار


مع ذلك، لا تزال أفلام «طوم آند جيري» الكرتونية، بما فيها من عنف هزلي وكوميديا سوداء، تحظى بشعبية هائلة في أرجاء العالم.
توفي بيل حنّا في 2001 ليتبعه جوزيف باربيرا بعد خمس سنوات. وقبل عام من رحيله، ظهر اسم باربيرا على آخر حلقة له من «طوم وجيري»، وكانت المرّة الأولى من دون شريكه السابق. عن سرّ استمرار جاذبية Tom & Jerry، رأى جيري بيك، الخبير في تاريخ أفلام الكرتون، في حديث لـ «بي. بي. سي» أنّ جزءاً منه يكمن في أنّ «الناس في أنحاء العالم يمكن أن يروا شيئاً من أنفسهم في الشخصيتين»، مضيفاً: «أعتقد أنّ معظم الناس يمكنهم التعاطف مع «جيري» صغير الحجم، فنحن جميعاً نعاني من وجود شخص يضطهدنا. هناك دائماً شخص ما، رئيس العمل، صاحب البيت، سياسي، أو أياً كان. نحاول أن نعيش حياتنا، في حين أن شخصاً ما يحاول تعكيرها».
واحتفالاً بالذكرى الثمانين لولادة هذه السلسلة الأيقونية، تستعد استديوات «وورنر براذرز»، التي تمتلك حقوق «طوم وجيري» الآن، لإطلاق شريط جديد منفّذ بتقنية التصوير الحي (live-action) في موسم عيد الميلاد المقبل. المعلومات المتوافرة عن المشروع قليلة للغاية، باستثناء أنّه سيكون من إخراج تيم ستوري سيضم ممثلين معروفين، أمثال: كلوي غريس مورتيز، كين جيون، مايكل بينيا، كولين جوست وغيرهم.