ليست فلسطين المحتلة في منأى عن الصراع الدائر في بلدان «الربيع العربي». سوريا الجنوبية، كما سُميت يوماً، بات مثقفوها منقسمين بشأن هذه الصراعات. يزداد انقسامهم أمام الحرب الدائرة في سوريا. ما عادت إنتاجاتهم التي تتناول هذه الحرب الطاحنة منذ 2011، في منأى عن الانزلاق إلى السذاجة والتسطيح وأحياناً الابتذال. خندق الحرب السورية أعمق وأبعد غوراً من المقالات والأعمال الفنية التي تتناول هذه الحرب، كما أن كمّاشة التخوين السياسي في المرصاد لكل صاحب رأي مختلف.
فيلم «يرموك» (8د ـ تأليف صالح بكري) لمخرجه محمد بكري، ليس في منأى عن هذه السذاجة التي تنبع من حزن وغضب ابن بلدة البعنة الصامدة في فلسطين التاريخية. الفيلم الذي لاقى موجة استنكار على وسائل التواصل الاجتماعي، غاب صوت مخرجه وسط جلبة شحذ سكاكين التخوين والشتيمة. «الأخبار» تواصلت مع بكري الموجود حالياً في إيطاليا، وأجرت معه هذه المقابلة.

■ ما القصّة الكاملة لفيلمك «يرموك»؟
القصّة مستوحاة من قصص شبيهة تحدث في بعض أوطاننا العربية. يُباع الأولاد ذكوراً وإناثاً لإنقاذ بقيّة أفراد العائلة من الموت جوعاً. عندما كتبت السيناريو، وجدت أنّ ما يحدث في سوريا ربما يكون أقرب إلى الحدوث بسبب شلال الدم الذي شرّد الملايين وجعلهم عرضة للبرد والقهر والجوع والمرض. الفيلم ليس عن اللاجئين في سوريا، بل عن اللاجئين نتيجة الحرب الطاحنة، والعنف المستشري. قد تكون هذه العائلة سورية، وقد تكون فلسطينية، وقد تكون أي عائلة عربية في سوريا وغيرها.

■ لماذا اخترت موضوع «بيع البنات» بالتحديد؟
بيع البنات مستوحى من واقع عربي مرير بدأ بعد حرب الخليج الثانية.

■ لماذا أثار الفيلم هذا الجدل برأيك؟
لأنّ هناك من سرقه مني، قبل أن ينتهي العمل عليه. هذا طبعاً مقصود ومدسوس بقصد الطعن والتشويه. أولاً «يرموك»، التي تعني «يقذفونك»، هو اسم موقت. ثانياً هناك بعض اللحظات واللمسات الصوتية في الفيلم لم يجرِ تفكيكها وإنهاؤها فنياً. لقد فهم أهلي في مخيم اليرموك أنهم المقصودون (في الفيلم)، وأنا أتفهم حساسيتهم وأحترم مشاعرهم وكرامتهم، لكن كان عليهم أن ينظروا إليّ بعمق أكثر، وأن يتابعوا أعمالي السابقة قبل إطلاق الأحكام، وقذفي بالشتائم واتهامي بالخيانة.

■ لماذا سميته «يرموك» إذا كنت تعني أماكن أخرى؟
لقد سميته «يرموك» لازداوجية المعنى. يرْموك كفعل تعني يقذفونك أو «بزتوك» بالعامية. هو اسم مؤقت، إذ أميل إلى تسميته «الجوع» أو «سواد». «يرموك» بدون أل التعريف، يُقصد منه أي مخيم، أينما يكن في الوطن العربي.
■ لكن ألا ترى أن الفيلم بعيد عن واقع اللاجئين؟
هو ليس فيلماً وثائقياً، بل يصف حالة الفقر والجوع والتشرّد التي تجعل أباً عربياً يبيع إحدى بناته لينقذ أطفاله من الجوع. وكما ذكرت، فالقصة مستوحاة من إحدى الدول العربية، حيث الفقر والجوع سيّدا الموقف.

■ ذكرت أن الفيلم «نسخة أولية» وغير مكتمل، لكنه عرض في روما، وكان مقرراً عرضه في نابولي؟
لقد عُرض في روما كعرض تجريبي فقط قبل الضجة التي ثارت حوله. كان يُفترض أن يعرض في مدن أُخرى، لكنني ألغيت كل العروض حتى إتمام العمل عليه.

■ أشرت في توضيحك على الفايسبوك إلى أنك لست مع النظام، ولست مع المعارضة، هل يمكن للمثقف أن ينأى بنفسه عن الصراع السياسي الدائر في سوريا؟ مخيمات اللاجئين هي دوماً في قلب الصراعات السياسية؟
لست العربي الوحيد النائي عمّا يدور في سوريا، لكنني لا أستطيع الوقوف مع طرف ضد آخر. بعد دخول قوى ظلامية تقتلع القلوب اليوم، وتقتل من أجل القتل، قلت وأُكرر أنا مع الناس السوريين والفلسطينيين. لا للقتل، لا للنظام، ولا للمعارضة. نعم، أنا مع المشردين والجياع والفقراء. هذا ما يتناوله فيلمي. هذه صرختي ضد ما يجري في سوريا، وغيره في الوطن العربي الذبيح. قلبي على سوريا الحبيبة، وعلى مخيم اليرموك الذبيح. منذ البداية، وما زلت مع أهلي في اليرموك. كتبت وأوصلت صرختهم مراراً في «تلفزيون فلسطين». وهذا أضعف الإيمان. وأنا متأكد أن أهالي اليرموك يفضلون الموت على بيع بناتهم. والفيلم ليس له صلة بالمخيم، بل له صلة بالوضع العام الذي تردى في كل العالم العربي.

■ هل تعتقد أن من سرق رابط الفيلم، كان جهة سياسية حاولت تشويه صورتك؟
من سرق الفيلم هو المخرج نصري حجاج، وهو من سرّبه إلى المخيم في اليرموك، وحرّض أهلي هناك عليّ. نصري حجاج، لحاجة في نفس يعقوب، هو أوّل من كتب مقالاً ساماً ضدي شخصياً وضد الفيلم، واتهمني بالخيانة.

■ ماذا تقصد بحاجة في نفس يعقوب؟
الغيرة ليس إلا. وإذا أتتك مذمتي من ناقص، فهي الشهادة لي بأني كامل.
ما هي رسالة الفيلم كما تراها أنت؟
الفيلم هو صرختي الشخصية ضد اقتتال الأخوة، ومن أجل المصالحة ونصرة المظلومين المقهورين.

■ هل من رسالة لأهل سوريا وأهل مخيم اليرموك والمخيمات في سوريا ولبنان والشتات؟
رسالتي للأهل في سوريا هي صلاتي ودعائي بأن تصطلح الحال، وتعود الطمأنينة إلى قلوب الأهل والأحباب. أتمنى أن يعود العقل إلى أصحابه ويصحو الضمير. وأتمنى أن يعود كل لاجئ إلى دياره الأصلية.






أنا ابن فلسطين التاريخية

أصدر محمد بكري بياناً جاء فيه: «صعقني أن أقرأ البيان المشبوه ضدّي شخصياً واتهامي بتشويه سمعة وشرف أهلي من مخيم اليرموك الذين يعانون منذ ثلاث سنوات من القتل والحصار والتجويع. صعقت لسماع الشتائم والتخوين لي من بعض الإخوة الذين سُمِّمت عقولهم من شخص يدعى نصري حجاج (...) كيف يعقل أنني صاحب «جنين جنين» الذي أحارب الاحتلال الإسرائيلي وتحاربني إسرائيل منذ 12 سنة؟ كيف يعقل أن أوضع في خانة التخوين والقذف والتشهير؟ أنا مع أهلي في سوريا ولست مع النظام ولست مع المعارضة، ولذلك كتبت في بداية الفيلم أنّه نتيجة الأحداث الدامية التي اندلعت في سوريا منذ 2011، تشرّد مئات الآلاف وعضّهم القهر والجوع، أنا مع كل هؤلاء الناس، والمآسي ليست حكراً علينا الفلسطينيين. أنا ابن فلسطين التاريخية ولست ابن الـ 48. ولا يحقّ لحجاج ولا لمن سمّمهم وحرّضهم المزاودة والتشكيك بصدقية ومرجعية محمد بكري الوطنية والثقافية، والعكس هو الصحيح. لن أعتذر عما فعلت عن صرختي الشخصية التي تمثلت في فيلم قصير ما زال غير مكتمل».