«هل رأيتم الفيلم في الكويت أو في قطر أو في دبي؟ النسخة المعروضة في لبنان أرحم بكثير، وهي الأقل تعرّضاً للحذف والتعديل». هكذا ردّ علينا مسؤول عن برمجة الأفلام في إحدى الصالات اللبنانية حين سألناه عن التلاعب الذي حصل بجديد كوانتن تارانتينو الويسترن The Hateful Eight «البغيضون الثمانية» (187 د. ــ الأخبار 11/1/2016) قبل عرضه في الصالات اللبنانية! كأنّ الرقابة والمساس بالفن باتا أمراً اعتيادياً في بلادنا وعلينا التأقلم معه. مَن شاهد الشريط في الصالات اللبنانية فاتته مشاهد عدّة، أهمّها فلاشباك كامل يروي فيه الرائد أسود البشرة «ماركيز وارن» (صامويل أل. جاكسون) كيف قتل ابن الجنرال «سانفورد سميثرز» (يؤدي دوره بروس ديرن). في هذا المشهد الذي لا تزيد مدّته على خمس دقائق، يظهر أحياناً «ماركيز وارن» وهو يُجبر ابن الجنرال على المشي عارياً على الثلج. عندما يقول ابن الجنرال إنّه لم يعد قادراً على المشي، يجبره وارن على ممارسة الجنس الفموي لكي لا يقتله. لكن الرجل العاري يلقى حتفه، رغم تنفيذ الطلب.
وكان فيلم «غاتسبي العظيم» (إخراج باز لورمان) قد تعرّض عام 2013 لواقعة مماثلة، حين اقتطعت منه بعض الصالات اللبنانية مشهداً يصوّر مجموعة من الرجال يمارسون الجنس الجماعي.
في مقال نشره على موقع «النهار» أوّل من أمس، قال الصحافي والناقد هوفيك حبشيان إنّ هذه الخطوة أقدمت عليها شركة «إيطاليا فيلم» الموزّعة لهذا الشريط.
ولأنّ في الأمر مساساً فاقعاً بالفن وحرّية الإبداع، حملنا هذه المعطيات إلى شركة «إيطاليا فيلم» للاستفسار عمّا حدث. مدير التسويق في الشركة إيلي غميقة، لم ينكر أنّ الاقتطاع حصل فعلاً، لكنّه أكد أنّ الأمر حدث بناءً على مذكرة صادرة عن جهاز الرقابة في المديرية العامة للأمن العام، وليس قراراً اعتباطياً اتخذته «إيطاليا فيلم». وفيما شدد على أنّ «كلّ ما فعلناه هو الالتزام بقرار الرقيب»، أبدى أسفه لما ورد في مقال حبشيان: «يا ليته تأكد من معلوماته قبل أن يطلق الاتهامات جزافاً».
إذاً، الشركة «المسكينة» لم تفعل شيئاً سوى «تنفيذ القانون»، غير أنّ لدى الأمن العام معطيات أخرى. في اتصال مع «الأخبار»، أوضح مدير مكتب الإعلام في الأمن العام، العميد نبيل حنون، أنّ اقتطاع المشاهد من «البغيضون الثمانية» لم يكن بقرار من المديرية، كاشفاً أنّ «طلب إجازة العرض الذي تقدّمت به «إيطاليا فيلم» كان مرفقاً بتعهّد بأنّها ستحذف هذه المشاهد»، تجنّباً لتحويله إلى «لجنة الرقابة على الأفلام السينمائية»، وبالتالي كسب الوقت! وأكد حنون أنّه لا مانع قانونياً من أن تحذف الشركة الموزّعة من الأفلام التابعة لها.
أمام هذا الواقع المضحك المبكي، يظهر أنّ مقص الرقابة في لبنان ليس محصوراً بيد الجهة الرسمية الموكلة بهذه المهمّة، كما أنّ الأكيد أنّ المسألة تحصل بناءً على تواطؤ بين مختلف الأطراف. ويبدو أنّ عملاً جباراً ما زال ينتظر الجمعيات المعنية بحرّية الرأي والإبداع والمثقفين والفنانين والحقوقيين والصحافيين.

* صالات «غراند سينما» (01/209109)، «أمبير» (1269)، «بلانيت» (01/292192)، «سينما سيتي» (01/995195)، «فوكس» (01/285582)