اقتبس المخرج الكندي جان مارك فاليه فيلمه «نادي دالاس للمشترين» (سيناريو كريغ بورتن ومليسا والاك) عن السيرة الذاتية لمريض الإيدز رون وودروف. إثر اكتشافه عدم فعالية الأدوية التي توفرها المستشفى، بل فسادها، قرر رون أن يشنّ بدوره حرباً على «إدارة الغذاء والدواء» (FDA) عبر استيراد الأدوية التي حظرتها وبيعها لغيره من مرضى الإيدز في دالاس.
المفاجأة أنّ العلاج أطال حياته لثماني سنوات، رغم توقعات الاطباء الذين أخبروه في البداية أنه لن يعيش أكثر من 30 يوماً. الأميركي ماثيو ماكونهي الحائز جائزة الأوسكار هذه السنة عن أفضل ممثل عن دوره في الفيلم، يتقمّص شخصية رون في أداء فريد من نوعه، ترتكز عليه قوة هذا العمل السينمائي. المشاهد قد لا يتعرف للوهلة الأولى إلى ماكونهي الهزيل الذي خسر 21 كيلوغراماً ليلائم شخصية وودروف، حتى إنّه وصل إلى مرحلة أصبح فيها نظره مشوشاً جراء ضعفه الشديد. ويقال إنّه سجن نفسه ستة أشهر في المنزل ليصبح لونه شاحباً كما يظهر في الفيلم. براعة ماكونهي تكمن في قدرته على تجسيد رون بشفافية مذهلة بما تحمله هذه الشخصية من عنف وتطرّف ورقّة في آن واحد. شخصية ممزقة بين الرفض والتقبل لمرضها في البداية، وثم صراعها اليومي للبقاء. ينجح ماكونهي، مشهداً تلو آخر، في تصوير ثنائية الأمل واليأس التي تحكم عالم رون الداخلي عبر التمثيل الصامت في الغالب. رون الكاوبوي هو مروّض الثيران والنساء في آن واحد كما يظهر لنا عبر المشهد الافتتاحي وهو يقيم علاقة مع امرأتين معاً خلف حلبة الروديو، بينما يراقب لاعب الروديو يمتطي الثور، ومن ثم يسقط أرضاً. استعارة يُهيّنا عبرها المخرج للمعركة الأخرى التي سيخوضها رون ضد الموت وصراعه لترويض المرض الذي يفتك بجسمه. الشتائم التي يكيلها للجميع، عدم اكتراثه الظاهري، إصراره وتحديه على مواجهة المرض وإيجاد علاج... كلها صفات تشهد على قوة شخصية رون. وحدهما عينا ماثيو ماكونهي تعبّران عن ذلك الخوف الهائل الذي يتكاثف ويعتمل داخله. ورغم مأسوية الحالة التي يتناولها الفيلم، إلا أنه أبعد ما يكون عن الميلودراما. يعتمد على الواقعية الفجة أو الساخرة في تناول شخصية رون التي هي نقيض المثالية. نرى ذلك عندما يشتم الطبيب حين يخبره بإصابته بالإيدز. يحتال رون على المرض كما على المراهنين في حلبة الروديو مثلما نرى في أول الفيلم، ويصارع الموت كما يفعل مع الثور حتى الرمق الأخير. لا يمنع ذلك أنّ رون يروّض المرض أيضاً من خلال معركته معه. يروّضه المرض أيضاً، فتنشأ علاقة صداقة ثم شراكة عمل بين رون وبين راين المتحول جنسياً والمصاب بالإيدز. يؤدي دور راين الممثل جارد ليتو الذي حاز عنه جائزة أوسكار أفضل ممثل مساعد. المضحك أنّ رون يظهر في بداية الفيلم على أنّه يعاني من رهاب المثلية ويخاف حتى أن يلمسه راين، معتقداً كما كان سائداً في تلك الفترة، أي أوائل الثمانينيات، أن الإيدز لا يصيب غير المثليين. يعتمد المخرج إيقاعاً حياً في تقطيع المشاهد كما في التصوير. يرتكز الفيلم في كامل المشاهد على الضوء الطبيعي، ما جعله يتمتع بجمالية خاصة غير متكلفة تحاكي حالة الاضطراب التي يعيشها رون. الصورة والصوت يتماشيان معاً لينقلا ضياعه. يتجسد ذلك عبر الضجيج الذي يعلو، ومن ثم يخفت، أو عبر بناء المشاهد التي تحاكي أيضاً تشوش الرؤية عبر التناقض بين الأجزاء الواضحة والمبهمة من الصورة أو الزوايا غير الاعتيادية للكاميرا.

Dallas Buyers Club: صالات «أمبير» (1269)، «فوكس» (01/285582)




إيرادات وحفاوة نقدية

جاء العرض الأول لفيلم «نادي دالاس للمشترين» للمخرج جان مارك فاليه ضمن «مهرجان تورنتو السينمائي» في عام 2013، وأُطلق في الصالات في تشرين الثاني (نوفمبر) 2013، حاصداً حفاوة نقدية كبيرة، والكثير من الجوائز بما فيها جوائز عن الأداء المذهل الذي قدّمه كل من ماثيو ماكونهي وجارد ليتو. ورغم أنّ كلفة إنتاج الشريط لم تتجاوز خمسة ملايين دولار، إلا أنّه حقّق إيرادات وصلت إلى ثلاثين مليون دولار في شباك التذاكر. علماً أنّه صوِّر أيضاً في مدة زمنية لا تتجاوز خمسة وعشرين يوماً.