ما زال الباب مفتوحاً على مصراعيه لدخول عالم الإنتاج التلفزيوني لكلّ من يطمح بهامش كبير وسريع من الربح، إضافة إلى الشهرة والاقتران بالوسط الفني، برغم ضرورة توافر الثقافة والخبرة اللازمتين لدى المنتج، لكونه صاحب القرار النهائي في العمل الدرامي، لكن حتى الآن، لم تصدر الجهات المعنية قوانين تنظم عمل المنتج وتفرض وجود الحد الأدنى من الثقافة أو التحصيل العلمي لمن يدخل هذه المهنة. هكذا، راح بعض المقاولين وتجار الاسمنت وأصحاب صالات المفروشات وأصحاب المكاتب العقارية الكبيرة يفتتحون شركات إنتاج.
وإذا بهم يسيئون إلى المهنة حتى وصل الأمر لدى بعضهم إلى استغلال المعاناة السورية في محاولة فرض شروط مجحفة بحق ممثلين وكتاب ومخرجين سوريين اضطروا إلى السفر خارج بلادهم، واعتبارهم لقمة سائغة لا يمكن لهم المطالبة بحقوقهم. آخر هذه السلوكيات عبارة عن عقد وهمي أبرمه المنتج المصري محمد فوزي مع الكاتب السوري محمد ماشطة المقيم في لبنان.

وقع ماشطة في الفخّ بعدما شارف على الانتهاء من كتابة نصّ «سفر الخروج» الدرامي (30 حلقة) الذي يتطرق إلى الأزمة السورية وتداعياتها على المنطقة ودول الجوار، وخصوصاً بيروت التي دخلها عشرات الآلاف من السوريين هرباً من الحرب من دون أن يتحيز إلى أي من الأطراف
المتصارعة.
سرعان ما أرسلت شركة «آكشن» (محمد فوزي) بطلب الكاتب السوري وأبرمت معه عقداً يتضمن شرطاً جزائياً يوجب دفع مبلغ 25 ألف دولار لمن يخلّ بأحد بنود العقد، أو يتراجع عن تنفيذه، على أن تنتج له العمل ضمن ظروف تليق بضخامة الأحداث التي يطرحها، لكن النتيجة كانت أنّه عند أول خلاف مع الكاتب، استدعاه المنتج إلى أحد فنادق بيروت حيث يقيم مؤقتاً، واستدرجه إلى غرفته وأخذ العقد منه، ومزّقه قبل أن يوجه إليه تهديداً باتهامه بالسطو والسرقة لو جرّب المطالبة بحقه بحسب ما يروي لنا الكاتب السوري. يقول الأخير: «بتاريخ 3 شباط (فبراير) الماضي، وقعت شركة «آكشن» المصرية معي عقد مسلسل «سفر الخروج»، وطلبت مني ترشيح النجوم السوريين واللبنانيين، وجرى التواصل معهم وتوزيع الشخصيات لهم، ومن بينهم سلافة معمار وقصي خولي، لكنّني فوجئت بأحد المقربين من المنتج يحاول تقليل قيمة بعض النجوم من أجل خفض أجورهم بطريقة رخيصة لا تحترم أسماءهم، مما أدخلني في خلافات مع المنتج». ويضيف كاتب «شركاء يتقاسمون الخراب»: «احتال عليّ صاحب الشركة بحجة تصحيح تاريخ نسختي من العقد، واستدرجني إلى فندق «فينيسيا» حيث أخذ نسختي، ومزّقها أمامي، من دون أن يشرح سبب ما يدفعه إلى هذا الفعل. حاول توريطي وتوجيه تهمة التهجم على مكان إقامته بذريعة وجودي هناك».
لم يستسلم الكاتب السوري لقدره. سرعان ما تقدم بشكوى إلى السلطات اللبنانية حملت الرقم 4367 (بتاريخ 24/2/2014) وباشر دعوى قضائية ضد المنتج، معولاً على هذه الخطوة لاستعادة حقوقه المادية والمعنوية، وخصوصاً أنّه يمكن للشركة الافادة من فكرة المسلسل أو حلقاته الأولى التي تسلّمتها سابقاً. ويوضح ماشطة أنه فور علم المنتج محمد فوزي بالدعوى المرفوعة ضده، وإمكان صدور قرار بمنعه من مغادرة لبنان قبل انتهاء الدعوى، حاول من خلال مقرّبين منه الالتفاف على الكاتب السوري، وإعادة توقيع العقد بشروط جديدة، أو استرضاءه بمبلغ مالي زهيد من دون أن تفلح محاولاته.
في حديثه مع «الأخبار»، ينفي فوزي تلك الرواية، ويتوعّد برفع دعوى قضائية على الكاتب السوري، مضيفاً: «لم يقدّم إلي الكاتب سوى ثلاث حلقات من النص، كما أنّه قال لي إنّه تواصل مع العديد من المحطات التي وافقت على عرض المسلسل. وبناء عليه، وقّعتُ معه العقد، لكنه لم يلتزم تسليم بقية الحلقات، حتى إننا طلبنا عشر حلقات لنقدمها إلى المحطات الفضائية، ونأخذ موافقة مبدئئة للتسويق، لكنه لم يعطنا أي حلقة إضافية. ولم يفلح في التنسيق مع المحطات كما وعدنا. لذلك، طلبته إلى اجتماع وأخذت نسخته من العقد وألغيتها ثم مزقتها أمامه». طبعاً من المعروف أن الكاتب يقدم مجموعة حلقات في بداية الاتفاق ويواصل تقديم الحلقات حتى أثناء تصوير المسلسل، كما أنه لا يلتزم توزيع العمل للمحطات أو التنسيق معها.
على أي حال، يستحق فن الدراما أن ينتج على أيدي شركات تحمل فكراً مؤسساتياً حقيقياً، وتدرك حساسية الخوض في الفن، بعيداً عن أساليب الربح السريع التي تلجأ إليها بعض الشركات بنية تحقيق صفقات تجارية في مجال لم يخلق للتجارة.