قصة: لويس بريتو غارسياترجمة: صالح علماني

عند منتصف الليل تقريباً أجريتُ المكالمة الهاتفية الأولى، اتصلتُ برقم لا على التعيين. ردّ عليّ صوتٌ رجولي:
ــ ألو. من يتكلم؟
ــ اهرب! لقد اكتُشف كل شيء!
ــ ماذا؟ كيف؟
ــ لقد ضعنا. كل شيء صار معروفاً.
ــ ولكن، من الذي يتكلم؟
ــ أنت تعرف أنني لا أستطيع ذكر أي شيء. فالهواتف مراقبة.
ــ ما الذي جرى؟ من الذي ارتكب الخطأ؟
ــ إنه هو.
ــ من هو؟
ــ ومن سيكون. الأكثر أهمية.
يُسمع صوت تذمّر. قطعتُ المكالمة؛ وأجريتُ اتصالاً آخر لا على التعيين. ردّ عليَّ صوت نسائي:
ــ ألو.
ــ كل شيء قد اكتُشف.
ــ ماذا، من المتكلم؟
ــ اتصلتُ بكِ بطلب منه. اهربي!
ــ ولكن، من الذي كشف الأمر؟
ــ الآخر. لقد ذهب للتو إلى هناك.
نقلت إليّ سماعة الهاتف ضجة إزاحة قطع أثاث وتصادمها، وفازات كريستال تسقط أرضاً. أغلقتُ الهاتف؛ ثم أعدتُ إدارة قرص الهاتف لا على التعيين. وقبل أن أتمكن من الكلام في هذه المرة، صدني صوتٌ أنثوي:
ــ السيد الوزير غير موجود.
ــ اعثري عليه. الأمر مستعجل. قولي له إن كل شيء قد اكتُشف.
ــ ماذا؟ من أنت؟
وقبل أن أُغلق، جاءتني لمحة عبقرية:
ــ قولي له أن يخبر الآخرين.
بينما أنا أُنزل السماعة، سمعتُ الوزير يصرخ بها، ولكن الأمر كان متقناً، فقطعتُ الاتصال.
عدت إلى إدارة قرص الهاتف:
ــ اهرب! لقد كشفونا!
صوت مَنْ أجابني أبدى ثقة مزعومة:
ــ وماذا يهمني أنا ذلك كلّه. الجميع هنا يعرفون أننا جميعنا نسرق بكل وقاحة ونقدّم إلى الجمهور فواتير مكالمات هاتفية لم يجرِها أحد. ونحن نضحك لأن البلاد بأسرها تعرفنا على حقيقتنا. ها، ها!
وقبل أن يواصل، سحقته:
ــ أجل، ولكنه يعرف أنك لا تعطيه حصته كاملة.
ومن السماعة، سمعتُ صفيراً طويلاً أشبه بإفراغ عجلة سيارة من الهواء. ثم سمعتُ صوتاً متباكياً يسألني:
ــ من قال هذا؟
ــ اتصل به واسأله!
أغلقت الهاتف. ولاحظت منذ تلك اللحظة أن الخطوط كلها مشغولة. كانت تردّدات الروابط تتيح لي سماع أصوات مرتعدة تعلق حول صفقات مكتشفة، وحسابات مصرفية وتذاكر سفر إلى الخارج. أجريتُ مكالمة أخرى. وفي نهايتها سمعت صوت إطلاق رصاصة وسقوط جسد على الأرض.
أغلقت الهاتف. كي أُسهّل الأمر على أول من سيكتشف الجثة ويتمكن من الاتصال لنقل الخبر إلى شركائه الآخرين. أجريت عشرة اتصالات أخرى. وكانت المكالمة الأخيرة هي أكثرها دراماتيكية:
ــ اهرب. فقد كشفونا.
ــ لقد أخبروني بذلك. وماذا يمكنني أن أفعل؟
ــ أسرع بدل أن تواصل التكلم في الهاتف مثل بعض الأنذال.
أغلقتُ الهاتف. أردت الاتصال من جديد ولكن الجهاز بدأ الرنين. رفعتُ السماعة وسمعت صوت صديق يتكلم بنبرة يائسة، لينبّهني:
ــ أسرع بالهرب! لقد اكتُشف كل شيء!
ــ عرفت ذلك ــ أجبته ــ. ولكنه لم يستطع سماعي. ضجيج محركات مدوية كان يملأ الشوارع الواسعة المؤدية إلى الموانئ وإلى المطار. حشود مجنونة تتنازع بالشدّ والضرب بالحقائب لحجز الأمكنة في الطائرات. سياسيون ورجال أعمال وصناعيون يحاولون التحليق بطائراتهم الخاصة وسط تجاذب مدراء عامين ونشطاء يتوسلون إليهم الوفاء بالتزاماتهم الرفاقية. ومن يُقَابلون بالصدّ يقومون بإجراء اتصالات هاتفية جنونية من الهواتف العامة، تزيد من الموجات البشرية العارمة التي لا سبيل إلى كبحها والتي تركض باتجاه السواحل والحدود، تحت صرخة: لقد اكتُشف كل شيء! فلينجُ كل من يستطيع النجاة!
أما أنا الذي كنت قد خططتُ للتوصل إلى إيجاد أول بلد بلا حكومة، صرت الآن على وشك البقاء في أول بلد بلا سكان في العالم.

* آخر قصة ترجمها