القاهرة | كشف استمرار وزير الثقافة صابر عرب في الحكومة الجديدة، التي يرأسها ابراهيم محلب، عن جملة من الأزمات في وضع الثقافة المصرية ككل. أزمات خرجت إلى وسائل الإعلام التي اعتمدت في متابعة هذه الأزمات على ما تروّجه مواقع التواصل الاجتماعي. قبل ذلك، تولى عرب المنصب مرات عدة، أولاها في حكومة كمال الجنزوري في كانون الأول (ديسمبر) 2011 خلال حكم المجلس العسكري بعد «ثورة يناير» وظلّ حتى آب (أغسطس) 2012، وهي الفترة الأولى من حكم الرئيس المعزول محمد مرسي.
مع تولي هشام قنديل رئاسة مجلس الوزراء، ظل عرب في منصبه حتى أيار (مايو) 2013، ثم أقيل خلال الفترة الأخيرة من حكم مرسي، فتولّى الوزارة علاء عبد العزيز لغاية سقوط حكم مرسي، ومعه جميع وزراء حكومة قنديل. وحين تولى حازم الببلاوي رئاسة الحكومة، أعاد عرب إلى منصب وزير الثقافة في 16 تموز (يوليو) 2013. عند استقالة حكومة الببلاوي، جاء تكليف إبراهيم محلب بتشكيل حكومة جديدة، ليعيد عرب إلى منصبه الذي أكد مراراً أنّه زاهد فيه.
اللافت أنّ محلب التقى بخمسة مرشحين آخرين للمنصب، لكنه فشل في إقناع من يسمّون بالمثقفين بأي منهم. بدأ بترشيح أستاذ العلوم السياسية أسامة الغزالي حرب رئيس «حزب الجبهة الديموقراطية»، لكنه ووجه برفض على مواقع التواصل الاجتماعي من ناشطين في المجال الثقافي؛ أبرزهم الناشر محمد هاشم صاحب «دار ميريت».
واستندت الاعتراضات على الغزالي حرب إلى أنّه ليس ابناً للحياة الثقافية وبعيد عن المجال، فضلاً عن حماسته القديمة لتحالف «كوبنهاغن» الداعي إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ونشاطه القديم قي لجنة السياسات في الحزب الوطني الذي أسقطته «ثورة يناير». اللافت أنّ منتقدي حرب لم يلتفتوا إلى تصوّرات تطوير السياسات الثقافية التي يتبناها «حزب الجبهة» وهي ليست بعيدة عن طموحات المثقفين لحماية الطابع المدني للدولة المصرية.
في المقابل، وجد ترشيح رئيس هيئة الكتاب أحمد مجاهد للمنصب رفضاً مماثلاً من قطاعات أخرى مناهضة للتحالف الذي خلقه اعتصام وزارة الثقافة الشهير ضد الوزير الإخواني علاء عبد العزيز (29/6/2013). تحالف ضمّ حينها الداعين إلى الاعتصام وقيادات الوزارة التي أبعدها عبد العزيز عن مناصبها، وهي قيادات يزعم تيار الثقافة الوطنية فسادها.
ورغم اعتراف كثيرين بالطفرة التي أحدثها مجاهد في هيئة الكتاب على مدى عامين، الا أنّه ظل بحسب منتقديه محسوباً على النظام القديم الذي رسخه فاروق حسني عبر 23 عاماً أمضاها في الوزارة. ما انطبق على مجاهد ينطبق على رئيس «الجهاز القومي للتنسيق الحضاري» التابع للوزارة سمير غريب الذي كان أيضاً من المرشحين، لكنّه استُبعد للأسباب نفسها، بينما أُعلن عن اعتذار الممثل محمد صبحي عن عدم تولي المنصب، علماً بأنّ خبر ترشيحه قوبل بتحفظ في الحقل الثقافي بسبب مساندته للمجلس العسكري خلال الفترة الانتقالية، ووصفه بالانتهازي على مواقع التواصل الاجتماعي، رغم بعض الترحيب الذي استند إلى صورته كممثل معروف. في السياق ذاته، بقي سبب استبعاد اسم كاميليا صبحي مجهولاً، رغم أنّ اختيارها للمنصب كان حلاً للمأزق. شغلت كاميليا سابقاً منصب المستشار الثقافي المصري في باريس، فضلاً عن العديد من المناصب في الوزارة، وآخرها منصب رئيسة العلاقات الثقافية.
وزاد من الدهشة أنّها ذات سمعة حسنة وإنجاز أكاديمي في مجال الترجمة.
لذا، لم تُفهم مبررات الحكومة في إعادة تدوير اسم صابر عرب الذي وصفته تقارير صحافية بالرجل الذي لا يتغيّر على سبيل التندر، وخصوصاً أنّ عودته إلى المنصب أثارت عاصفة من الانتقادات كونه لم يحقق إنجازات ملموسة في الوزارة، وهو مستعدّ للعمل مع أي نظام، بغض النظر عن سياساته. الأكثر غرابة أنّ المثقفين الذين واجهوا كل الترشيحات بالرفض لم يعتصموا رفضاً لعودة
عرب.
باختصار، لم تكشف الأزمة عن مأزق الحكومة في إيجاد الوزير محل التوافق فحسب، بل كشفت أيضاً عن مأزق الجماعة الثقافية التي مارست ضغوطاً لإبعاد بعض الأسماء عن الوزارة التي كانت توصف بـ«الحظيرة»، وهي بحسب بعضهم أكبر مصانع الفساد في مصر. وبات السؤال: كيف يمكن تعريف الجماعة الثقافية؟ وما هي مصادر قوتها؟ وكيف يمكن معالجة الانقسام في أوساط النخبة الثقافية التي تعاني من حدة الاستقطاب؟ سخر البعض من المواصفات التي وضعها مثقفو المقاهي والفايسبوك لاختيار الوزير، إذ كتب الروائي والدبلوماسي عز الدين شكري فشير متسائلاً: «بعد مطالبة المثقفين باختيار وزير الثقافة، لماذا لا يطالب المرضى باختيار وزير الصحة؟» عكست عبارة فشير عن مرارة الوضع.
لكن الإيجابي في الأزمة أنّها أعادت إلى السطح نقاشات مهمة عن ضرورة إقرار سياسات ثقافية جديدة للنجاة من مأزق دور الفرد في تشغيل الوزارة، كما طرحت أفكاراً عن أهمية تحرير العمل الثقافي من سلطة الدولة، وأسئلة عن دور الدولة في الثقافة طالما أنّ معظم الإنتاج المتميز ينتج خارج أسوارها.




سيرة مهنية

تخرّج صابر عرب (1948) في «جامعة الأزهر» (قسم التاريخ والحضارة)، وعمل أستاذاً لتاريخ العرب الحديث منذ عام 1994، وأستاذاً في «معهد البحوث والدراسات العربية» في الفترة الممتدة من 1994 حتى 2005، ثم رئيساً لمجلس إدارة «الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية» خلال السنوات الخمس الأخيرة من نظام حسني مبارك. بعدها، تولى وزارة الثقافة حتى الآن.