القاهرة | فجر يوم حزين في مصر، كان أمس الخميس 7 تشرين الثاني (نوفمبر)، خاصة داخل الوسط الفني الذي استيقظ على خبر وفاة الممثل هيثم أحمد زكي عن عمر لا يتجاوز السادسة والثلاثين، ليلتحق بأمه الممثلة هالة فؤاد، التي توفيت في العمر نفسه، وأبيه النجم أحمد زكي، الذي توفي عن عمر قصير أيضاً لا يتجاوز السادسة والخمسين.وفاة هيثم زكي ليست فقط صادمة، ولكنها غامضة بشكل غريب. حسب الأخبار التي نُشرت حتى الآن، مات هيثم زكي وحيداً داخل حمام فيلته في حي الشيخ زايد في محافظة الجيزة، عندما قامت قوات الشرطة باقتحام المنزل بعد تلقيها بلاغاً من خالة الفنان وخطيبته عن اختفائه وعدم قيامه بالرد على الهاتف.

تعرّض لأزمة نفسية كبيرة بعد وفاة والده

وكانت آخر مرة شوهد فيها قبل موته بوقت قليل، إذ قال أحد الجيران إنّه غادر منزله فجراً يشكو من ضيق تنفس وآلام حادة في بطنه، متوجهاً إلى صيدلية لشراء بعض المسكّنات. وقال أحد المصادر أيضاً إن آخر مرة شوهد فيها لم تكن فجر الخميس، وإنما فجر الثلاثاء حيث شعر بالتعب وتوجه إلى الطبيب، ثم عاد إلى بيته، ومن وقتها لم يشاهده أحد أو يسمع صوته على الهاتف.
كان الراحل شخصية مضطربة ومعذّبة منذ طفولته نظراً إلى الظروف السيئة والحزينة جداً التي تعرض لها، من طلاق والديه ثم وفاة أمه وهو لم يتجاوز السادسة، ثم وفاة جديه اللذين تكفّلا بتربيته، ثم وفاة خاله الذي تكفل به بعدهما، حتى وفاة أبيه عام 2005، أثناء تصوير فيلم «حليم» الذي شهد أيضاً مولد هيثم زكي كممثل، عندما لعب دور المغني عبد الحليم حافظ شاباً.
وليس سراً أن هيثم تعرض لأزمة نفسية كبيرة بعد وفاة والده، إذ أمضى فترة في أحد المصحّات للعلاج من الإدمان. ورغم أنه أدى بطولة فيلم «البلياتشو» (2007) بعدها، إلا أن مسيرته الفنية سرعان ما تعثّرت لأسباب عدة، منها مزاجيته الشديدة وعدم التزامه بمواعيد التصوير، ولكنه نجح في تخطي هذه الأزمات أكثر من مرة، وكان آخرها وأكبرها منذ سنوات عدة. وقد استطاع بعدها أن يعود بقوة في عدد من المسلسلات والأفلام مثل مسلسلي «كلبش 2» و«علامة استفهام» وأفلام «حرب كرموز» و«الكنز» بجزءيه الأول والثاني، ولم يكن متوقعاً أبداً أن تنقطع فترة الازدهار هذه بوفاته المفاجئة. ولد هيثم أحمد زكي في الرابع من نيسان (أبريل) عام 1984، وبدأ مسيرته كممثل بظهوره في فيلم «حليم» (2006)، حيث نال على الفور تعاطفاً شديداً من قبل الجمهور، بخاصة محبّي أحمد زكي وعبد الحليم حافظ وهالة فؤاد، بفضل ملامحه الوسيمة والطيبة وشبهه بكل من أبيه وأمه.
في عام 2007، أدى بطولة فيلم «البلياتشو» للمخرج عماد البهات. فيلم طموح فنياً، لكن لم يحظَ بالنجاح الجماهيري ولا بالتقدير النقدي المنتظر، خاصة أن هيثم زكي لم يكن قد امتلك بعد أدواته كممثل محترف. بعد سنوات من التعثر نفسياً وفنياً بدا خلالها أن مسيرة هيثم زكي قد توقفت من دون رجعة، عاد إلى الظهور عام 2010 في مسلسل «الجماعة» (إخراج محمد ياسين)، حيث لعب دور قيادي في تنظيم الإخوان المسلمين. وفي العام التالي، شارك في فيلم «كف القمر» (إخراج خالد يوسف)، ومسلسل «دوران شبرا»، الذي حصل به على أول جائزة له كممثل. وفي عام 2012، ظهر في عمل وحيد هو مسلسل «الصفعة»، قبل أن يختفي مرة أخرى، ليعاود الظهور مجدداً في عام 2014 بمسلسلي «امبراطورية مين» و«السبع وصايا»، حيث بدا أكثر خبرة وتمكناً كممثل، لكنه توقف مرة أخرى ليعود في عام 2017 مع فيلم «الكنز» من إخراج شريف عرفة، أول من عمل معه.

لم يستطع هيثم زكي الخروج من العباءة والإرث الثقيل الذي يُسمّى أحمد زكي

في حواراته وتصريحاته، كان هيثم زكي يشكو دائماً من الوحدة، وكثيراً ما كانت الدموع تتلألأ في عينيه عندما يذكر اسمي أبيه وأمه. ومع أن انتماءه إلى هذين الاسمين كان «تميمة حظه» ويجلب له حب وحنان الجمهور والكثير من العاملين في الوسط الفني، إلا أنه لم يكن قادراً على الخروج من العباءة والإرث الثقيل الذي يسمّى أحمد زكي. والحقيقة أن الزملاء والناس والإعلام كانوا يتعاملون معه في الأساس باعتباره «طفلاً يتيماً» وابناً لنجم محبوب راحل. ولا بد من أن ذلك، مع أسباب أخرى، قد ترك أثراً سلبياً أيضاً على نفسية هيثم، الذي لم يستطع أبداً الخروج من هذه العباءة ولا تكوين شخصيته المنفردة. ومن المؤسف أنه لم يكن يستطيع حتى التمرّد على هذا الإرث أو مقاومته، وقد بدا ذلك في حوار تلفزيوني أخير معه، احتل الحديث عن والده معظم مساحته، واختتم بقبوله لتقليد بعض الأدوار التي أداها أحمد زكي!
نال تعاطفاً جماهيرياً شديداً في فيلم «حليم» بفضل ملامحه الوسيمة والطيبة وشبهه بأبيه وأمه


من اقتربوا من هيثم أحمد زكي، يتكلمون عن مقدار الطيبة و«الطفولية» اللتين كان يتمتع بهما، وعن مزاجه المضطرب الذي يبعدهم عنه أحياناً، وعن الحزن الذي كان يملؤه، والإحساس بالوحدة، بل الخوف من أن يموت وحيداً!
وعلى الشاشة، كانت ملامح هيثم المتناسقة وابتسامته البريئة من مفاتيح قبوله لدى المشاهدين، لكنه استطاع أيضاً أن يطوّر نفسه، فالتمرد الذي لم يستطع أن يقوم به في حياته قام به على الشاشة، حيث لعب عدداً من الأدوار «الشريرة» التي تختلف تماماً عن الأدوار التي اشتهر بها أحمد زكي... وكان بإمكانه فعلياً أن يحفر مكانته واسمه كممثل بعيداً عن «شبح» أحمد زكي، الذي طارده في أدواره الأولى، لكن شبح المأساة الذي طارده منذ طفولته أبى أن يترك له الفرصة، وأطاح بأحلامه وحياته في اللحظة نفسها التي بدأت فيها هذه الأحلام والحياة بالسير قدماً.
حتى في موته، أثار هيثم أحمد زكي ذكرى أحزان قديمة ترتبط بموت والده المبكر، ومن قبلها موت أمه الجميلة في عزّ شبابها، وموت عبد الحليم حافظ الذي كان أول دور لعبه.
هيثم زكي ابن موت كما يطلق المصريون الجنوبيون على الشخصيات القدرية التي كُتب عليها أن تموت شابة، تاركة في العيون العَبرة وفي النفوس العِبرة من عبث الحياة وقسوتها.