يفتتح «أسبوع آفاق» بـ«حبيبي بيستناني عند البحر» (2013 ــ 80 د ــ 4/3) لميس دروزة. يمزج الوثائقي بين الواقع والمتخيل ليرسم صورة وطن تحلم به المخرجة، متمثل في صورة حبيب اسمه حسن تحاول إعادة تشكيله عبر الشخصيات التي تقابلها. شخصية حسن مستوحاة من الفنان الفلسطيني حسن حوراني الذي مات غرقاً في بحر يافا عام 2003 وصدر له كتاب شعر ورسم للأطفال بعنوان «حسن في كل مكان».
عبر هذه الرحلة التي تبدأ من الشام، فعمان ثم القدس، تحاول المخرجة جمع الشتات الفلسطيني وتوحيده في صورة هذا الحبيب الحاضر الغائب الذي ينتظرها في نهاية رحلتها عند البحر. بين محمد الذي يعيش في مخيم اليرموك، والشباب الذين تقابلهم في القدس أو حازم في مخيم العروب أو الزوجين اللذين يعيشان في الناصرة برفقة طفلتهما، تكشف المخرجة الحصار الذي يعيشه هؤلاء، سواء الجسدي أو المعنوي. مَن لم يكن مسجوناً داخل الوطن هو أسير ذلك الوطن الذي يعيش داخله. هم يشكلون أوجه هذا الوطن المتفكك والمبعثر، ووحدها المخيلة تستطيع وصل أشلائه. شاعرية خاصة تحكم لغة للشريط والنص الروائي. تعتمد المخرجة على نصوص من كتاب حسن حوراني وأخرى خاصة بها ورسوم تخط بها حدود قصتها وتعبر بها من فصل إلى آخر. باستثناء المشاهد التي تتابع تحركات المخرجة عبر مشهد الأقدام الذي يتكرّر مجسداً علاقة المخرجة بالأرض بما ترمز إليه من عودة للجذور، فإنّ الكاميرا هي دائماً في حالة انتظار في ما بقي من الفيلم. يتجسد ذلك عبر اللقطات التي تراقب التحركات البطيئة للغيوم أو للطبيعة في سكونها أو الوالد الذي يداعب طفلته بصمت تحت شمس الناصرة كأنّما تجسد الحاضر المعلّق في الزمن كالحلم.
في فيلمها القصير أيضاً الذي سيعرض ضمن الوثائقي الجماعي «موسم حصاد» (10/3) إلى جانب أفلام أخرى لنسيم أمعوش، أريج سحيري وسامح زعبي، تبحث ميس دروزة التي تقطن عمان عن الصلة التي تربطها بفلسطين، وطنها الأم، مع أنها لم تنشأ فيه أو تعرفه فعلاً. هل تورث الهوية أم تكتسب؟ هل بإمكاننا أن نحنّ إلى ذاكرة متخيلة؟ وإذا كانت دروزة تبحث عن فلسطين المتخيلة في الذاكرة، فلاريسا صنصور تصوّر لنا في فيلمها القصير «نايشن إستايت» (2011 ـ 9 د ــ 8/3) فلسطين كما تتخيلها في المستقبل: مبنى ضخم يعرف باسم «نايشن إستايت»، حيث كل طابق يحوي مدينة فلسطينية مختلفة. عالم غريب واستثنائي تبنيه المخرجة يجسّد أيضاً صورة الوطن المتخيل الذي لم يبق منه سوى رمزيته بحيث تصبح الهوية الفلسطينية هي المفتاح الإلكتروني للغرفة التي تنزل فيها البطلة في طابق بيت لحم في «نايشن إستايت». هناك في الغرفة، تعثر البطلة على وطنها الصغير الموضب بعناية، فتسقي الشجرة المزروعة وسط الصالة ثم تتناول من الخزانة أطباقاً طبع عليها رسم الكوفية الفلسطينية لتُعدّ لنفسها طبقاً فلسطينياً جاهزاً. بذلك تكتمل رحلتها الافتراضية إلى الوطن وتقف لتراقب عبر الزجاج فلسطين الحقيقية في الخارج التي تبدو كحلم بعيد.