عادت أستاذة المسرح في «الجامعة الأميركية في بيروت»، وإحدى أنشط المسرحيين في لبنان سحر عساف إلى الخشبة عبر إعادة لمسرحيتها «لا عرض لا طلب» (تأليف وإخراج سحر عساف) التي عملت عليها منذ عام 2016، إثر انكشاف شبكة دعارة عرفت باسم قضية «شي موريس». يومها حقق العمل ضجةً كبيرة، ليس لأنه تناول القضية فحسب، بل لأنه أيضاً قدم صورة كاملة عما جرى هناك، بعيداً عن تلك التي تظهر في وسائل الإعلام. إذ لطالما قدم الإعلام هذه القضايا من وجهة نظر واحدة، غير واضحة، وفوق كل هذا تُنسى بعد دقائق قليلة. «بدأتُ هذا العمل في أواخر عام ٢٠١٦ عندما انكشفت قصة «شي موريس»، بدأت بجمع المعلومات والبحث، وكنت أحاول أن أفهم ما حصل. لقد شعرت كامرأة ومواطنة بظلم كبير، وأردت أن أستخدم المسرحَ الذي أعتبرُه سلاحي لأقول شيئاً ذا فكرة بسيطة هو وضع قصص النساء على المسرح كون الإعلام تكلم عن الأمر كثيراً في البداية، ثم انطفأ الحديث فجأة». وكما أشرنا تختلف رؤية المسرحية عن الرؤية التي تأتي في الإعلام. تعلّق عساف: «ما أحاول الإضاءة عليه هو عامل لم يتمّ الحديث عنه في الإعلام. من جهتي، استعنت بالمقابلات مع الضابط الأمني الذي قام بالمداهمة ومع الصحافيين الذين قابلوا النساء ومع النساء اللواتي تحررن من الشبكة، فضلاً عن مقابلاتي مع غادة جبور من جمعية «كفى». إنني أحاول أن أفهم ما جرى؛ هذا ما أضيء عليه أكثر». هنا يأتي السؤال: هل المسرح الذي تقدمه عساف هنا هو مسرح «توثيقي/ وثائقي»؟ تجيب: «هو مسرح وثائقي يعتمد على مقابلات مع الشرطة والصحافة والنساء. كل ما أقوم به هو جمع المعلومات بطريقة مختلفة عما طرح في الإعلام». وتشير إلى التقنية الخاصة التي استخدمتها في العمل وهي «تقنية الـ record delivery» وهي مأخوذة من الكاتبة والمسرحية البريطانية أليكي بلايث. الفكرة أنّ الممثل لا يحفظ نصاً، بل يسمع كلاماً في أذنه عبر السماعات، أي أن الممثلات يسمعن ويُعِدن حرفياً ما يسمعنه كي نحافظ قدر الإمكان على الشهادات وصدقيتها. نجري تعديلات لإيصال الفكرة بطريقتي كمخرجة وكاتبة. فالكتابة في المسرح الوثائقي عبارة عن تعديلات وليس الكتابة من الصفر». تتناول المسرحية حكاية أربع فتيات من اللواتي كنّ في «شي موريس» وتعرّضن لكل التجارب «المؤلمة» التي حدثت هناك، فيما تضيف سحر عساف حضورها على المسرح من خلال شخصية «الراوية». توضح: «أضفت شخصية الراوية التي تحكي القصة كما فهمتها. أما الممثلات الأربع، فيمثلن دور الناجيات. تسمع الممثلات المقابلة مع الشخصيات الأصلية ثم يخبرننا إياها».
نصّ جديد بعنوان «فيفو وصاحباتها» ينتمي إلى الكوميديا الاجتماعية السوداء


لكن، لماذا تعيد عساف هذه المسرحية مرة جديدة؟ تجيب «كي نبقي القصة حية في ذاكرتنا، فالقصة لم تنته. الفتيات خرجن، لكنّ أحداً لم يساعدهنّ ولا حتى الدولة. ذهبن لفترة الى الجمعيات، لكن الجمعيات قدراتها محدودة. منهن من تمّ توطينهنّ في كندا ومنهن من لا نعرف عنهن شيئاً، ومنهن من عاد الى سوريا. والأكيد أنّهن في وضع هش لأنّ أحداً لم يساعدهن. في المقابل، لا يزال رئيس العصابة عماد الريحاوي في لبنان؛ وهو بات خارج السجن بعدما سجن لسنة واحدةٍ فقط وخرج بكفالة ١٣,٠٠٠ دولار وهو مبلغ بسيط أمام ما كان يجنيه. المحاكمات ما زالت جارية وتؤجّل لأن المتهمين لا يحضرون الى المحاكمات. أتمنى أن نحفّز القضاء للحكم عليهم لأنّه كل يوم تكشف شبكة اتجار بالبشر واتمنى أن لا ينسى الأمر كما يحصل مع كل شيء في البلد». على الجانب الآخر، لا تنسى عساف الإشارة إلى الهدف التوعوي للعمل، وهو أمرٌ ربما يطرح للمرة الأولى. إذ تشير إلى أنه يجب «محاسبة» الرجل كذلك لأنه شريك في الجريمة: «أنا أريد أن أتكلم عن الدعارة والاتجار بالبشر. يجب أن يكون هناك قانون يحمي المرأة. يجب أن يحاسب مشتري الجنس كذلك، لأن الرجال هم من يدفعون. لم يتم توقيف الزبائن في مداهمة «شي موريس»».
في إطار آخر، تكشف عساف لـ«الأخبار» عن عملها الجديد «فيفو وصاحباتها». وهو عمل من كتابة الأميركية الكوبية ماريا آريان فورنيز، وكعادتها تعمل عساف على ترجمته ولبننته. ينتمي العرض إلى نوع الكوميديا الاجتماعية السوداء ويدور حول ثماني نساء، ليتناول مواضيع الزواج والعلاقات والإنسانية. وكعادة أعمال سحر عساف، سيكون من انتاج «مبادرة العمل المسرحي» في الجامعة الأميركية. تشير عساف إلى أنها ستقدمه على «المسرح الجديد الذي تم افتتاحه في «سنتر أبراج» الذي أسسه طوني فرج الله. هو مسرح جميل ومجهز بشكل جيد وأنا متحمسة للعمل عليه».

* مسرحية «لا طلب لا عرض»: 20:30 مساء حتى 7 أيلول ــــ «استديو زقاق» (كورنيش النهر ــــ الكرنتينا). للاستعلام: 01/570676