كثيراً ما قرأوا عن بومبي، المدينة الرومانية التي دفنها البركان، لكن قلة فقط تخيّلت ما الذي حدث هناك بالضبط، وكيف كانت شوارعها، وكيف عاش ناسها. اليوم، نرانا أمام توليفة سينمائية من صنع بول أندرسون يضعنا فيها أمام تصوّر متخيل عما حدث هناك، وهو فيه من الواقعية ما يتخطى الخيال.
هل يمكن أن تكون الحياة أسوأ من الموت؟
وهل يمكن أن تكون الكوارث فعل تحرر لشعوب استعبدها الطغاة وتحكموا بمصائرها وناسها، وجعلوا البعض يرى في الهلاك خلاصاً؟ لعل هذه هي الإشكالية التي تداهم مخيلة مَن يشاهد فيلم المخرج البريطاني الذي أعاد إحياء أسطورة بومبي (Pompeii) التي باتت حقيقة مثبتة منذ نحو قرنين بعدما بقيت مجرد فرضية لعشرات القرون. لكنه اختار أن يطعّم الأسطورة بقصة متكاملة عن ميلو (كيت هارينغتون) العبد المجالد الذي قتل الرومان أهله، وأحرقوا قريته قبل أن يعيش أسيراً بين المجالدين ويبني خبرة كبيرة في القتال. بعدها، يُنقل إلى مدينة بومبي حيث يتعرف إلى مجالد آخر هو أتيكوس (اديوال اكينوي اكبادجي) الذي بقيت أمامه معركة واحدة قبل أن ينال حريته الموعود بها. يكتشف الاثنان أنّهما ضحية خديعة، وأن الحرية لا يمكن أن يمنحها الطغاة، بل عليهما أن ينتزعاها عنوةً. لكن ميلو يقع في غرام كاسيا (اميلي براونينغ) ابنة حاكم بومبي سيفيروس (جاريد هاريس) الذي يجد نفسه مرغماً على تزويجها من السيناتور الروماني كورفوس (كيفير ساذرلاند)، فتقرر كاسيا أن تتحداه لتنقذ حبيبها.
تبدو قصة الشريط ثانوية أمام الحدث الأساسي فيها، وهو ثورة بركان فيزوف قرب نابولي عام 79 بعد الميلاد الذي أدى إلى دمار بومبي بالكامل. يبدو أن المخرج كان حريصاً على تجميع كل ما كتب عن بومبي وكل الأبحاث التي وضعت عن تلك المدينة، فبنى عالماً متكاملاً يشبه العالم الذي وصفه البارون إدوارد بولر في كتابه عن بومبي الصادر عام 1834 ويعتبر المرجع الأساس لكل الأبحاث التي تلته، خصوصاً عند الحديث عن نظام العبودية وألعاب المجالدين، وتحكّم الرومان بالمدينة وأهلها، فضلاً عن النظام القمعي الذي كان يتبعه الرومان مع المستعمرات ويعتبر من الأشد بطشاً في التاريخ.
لكن تبدو المدينة التي بناها المخرج، بعيدةً عن كليشيهات الأفلام التي صنعت قبلاً عن روما القديمة من ناحية هندسة الشوارع والبيوت وحتى تصميم الأزياء، غير أنّ خطأه تمثل في المبالغة في الحداثة العمرانية. برزت بعض التصاميم التي لم تكن تتوافق مع تلك المرحلة لا سيما الملعب الروماني الذي ما زالت آثاره موجودة حتى اليوم.
في المقابل، نجح المخرج في تقديم تصوّر بصري مدهش عن ثورة البركان وما رافقها من كوارث طبيعية ذات صلة. فقد يسأل البعض عن المبالغة في تزامن البركان مع الهزات الأرضية العنيفة والتسونامي، لا سيما في منطقة مغلقة من البحر الأبيض المتوسط. غير أن المؤرخين يجمعون على أن تلك الأحداث التي تبدو خيالية هي الواقع بعينه، وهي التي أدت الى دمار أجزاء من المدينة وغرق بعضها، وحتى تحجر البشر بالوضعيات التي كانوا عليها. ما صوّره المخرج ليس في الواقع سوى تسجيد دقيق جداً للأجساد التي تحجرت في بومبي وتعرض حالياً في متحف المدينة.
على صعيد الممثلين، يبدو أنّ المخرج نجح في تقديم هارينغتون كنجم مميز على الشاشة الكبيرة بعدما أحبه الجمهور على التلفزيون، خصوصاً في سلسلة Game of thrones. المخرج لم يجعل منه بطلاً مطلقاً حتى أنّه هزم في أكثر من موقف، غير أن توليفة الممثلين لم تكن ناجحة تماماً بسبب تفاوت الأداء وجنوح السكريبت إلى الوعظ والكليشيهات. لكن ما يعوّض هذا النقص في العمل هو الموسيقى التصويرية الجميلة التي وضعها الشاب الموهوب كلينتون شورتر.
قد لا يكون Pompeii العمل الذي سيسجل كتحفة سينمائية للمخرج أندرسون، وربما ليس مؤهلاً للفوز بأي من الجوائز العالمية، لكنه بالتأكيد من الأفلام التي تستحق المشاهدة.



Pompeii: «غراند سينما»، «سينما سيتي»، «أمبير»، «بلانيت»