إخفاقات

قص ولصق ورجعية!


تجدد الدراما الشامية صفع المشاهد بالخيبة! فعلياً هي من أكثر الأعمال مشاهدة وبالتالي مطلب الفضائيات الثابت. لكن ليس هناك أي رابط بين حجم المتابعة والقيمة الفنية. موضوع رفع الذائقة الفنية وتثقيف المتابع بصرياً، ومحاولة تبديد المسافة بين السينما والتلفزيون، أمر ملقى على عاتق صنّاع الفن. بعضهم يرى بأن التلفزيون لا يحتمل أكثر من هذه الأعمال، والمستقبل لمنصات الانترنت، التي يفترض أن تقدم مسلسلات تقتدي بالنماذج العالمية التي أحالت الفارق مع الفن السابع شفافاً! لكن لا ضير من الجدّية حتى مع المادة الاستهلاكية المطروحة للترفيه كونها واصلة لشرائح الجمهور كافة. على أي حال، هذا العام قُدّمت باقة من الأعمال الشامية بالمنطق التقليدي فاستحقت لقب الأسوأ لهذا الموسم! مسلسلات بنيت على مفردات مستهلكة، ومفاتيح بائدة، من خلال حارة شامية يديرها زعيم وعضاوات تلصق زوراً بتاريخ دمشق، تدور في رحاها حكايات افتراضية اعتقد صنّاعها أن القفز نحو التحرر والتخلّص من الرجعية والتخلّف، يكون بتهويمات ساذجة، كأن نلمح قصص حب هنا وهناك، ومظاهرات تشارك فيها النساء، يتوّجها زعيم يجتر ما شاهدناه في الصيغة المثالية للرجعية أي «باب الحارة» (بسّام الملّا). حصل ذلك في «حارات الشام العتيقة» (كتابة علاء عساف وإخراج غزوان قهوجي ـ إنتاج «المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي» ـ بطولة: رشيد عساف، علاء عساف، صباح الجزائري، طارق عبدو...). المسلسل (الصورة) قصّ خطّاً كاملاً من مسلسل بيئة حلبية قديم اسمه «كوم الحجر» (كتابة كمال مرّة وإخراج رضوان شاهين- 2007).

تايواني مهرّب


كان الأمل بأن يودي الصراع بين المنتجين السوريين بسّام الملّا ومحمد قبنض، بالعلامة الفارقة للرداءة والاستسهال وتكريس قيم التخلّف والعبث بالتاريخ المسماة «باب الحارة». لكن للأسف، خسر الملّا الجولة القضائية ولم يتمكّن من التصوير في سوريا. وبالتالي فإنه لو أراد لكاميرته الدوران خارج بلاده، فإن مشروعه التجاري لن يعود عليه بالربح الوفير وهو سقف ما يتمنّاه! القرار القضائي جاء لصالح النائب والمنتج محمد قبنض بناء على حكم قضائي سوري، لكنه لم يتمكّن من الاقتراب من مفردات العمل الأساسية كونها مسجلة باسم خصمه! فكان ما أنجز في «باب الحارة 10» (مروان قاووق ومحمد زهير رجب) بمثابة كارثة فنيّة. كان يمكن التعاطي مع العمل بحديّة أقل، لو لم تقدم نسخة سميّت تهكماً «تايواني مهرّب»، وكانت كناية عن بضاعة تقليد رديئة، باعتبار أنه تشويه لمادة مترنحة أصلاً! الطريقة في السطو على المسلسل وغياب كل شخصياته، وأحداثه الأساسية، فتحت الباب على مصراعيه للتهكّم والسخرية، وزادت الطين بلّة الجريمة التي حصلت أثناء تصوير العمل عندما أكل الفريق الفني وجبات فاسدة عرّضت عدداً من الممثلين والفنيين لتسمم غذائي!

كوميديا من زمن «ستّي»


رغم كارثية الحروب، إلا أنها تحفر في الوجدان، وتترك فرصة عند الفنّان لتدوير المعاناة بأكثر من منطوق، أهمّها الوثائقي، وبعضها يصوغ ميلودراما موغلة في عمق المأساة، بينما تكمن المهمة الصعبة في صناعة كوميديا تراهن على المفارقات والتناقضات، وتلعب في الميدان الأسود بطريقة تمعن في السخرية، فتنجز فناً ناصعاً بالنقاء بأسلوبية «البلاك كوميدي». نجحت سوريا تاريخياً بعد هزيمة الـ1967 وقدّمت للعالم تجارب خالدة مسرحياً وتلفزيونياً حتى احتفي بها نقدياً. استمرت الحالة لفترة قبل أن تنطفئ! العنوان العريض الذي يشي بالخيبة هذا الموسم هو الفشل الكوميدي! الأكثر خللاً كان «كونتاك» (الصورة/ فكرة رانية الجبان وشادي كيوان وإخراج حسام الرنتيسي ـ إنتاج «إيمار الشام» ـ قناة «لنا») الذي يجتر بسطحية أفكاراً قديمة أكل عليها الزمن وشرب. وواكب هذه الصيغة أداء مستعار من أعمال قديمة، واسترخاء مطلق على الناحية الإخراجية، من دون نيّة في الاجتهاد! في السياق نفسه، فشل «بقعة ضوء» (مجموعة كتّاب وإخراج سيف الشيخ نجيب) في المشي ولو خطوة إضافية على مستوى ما قدّمه سابقاً. ظهر المشروع الذي أنتجته «سما الفن» بطريقة متسرعة. الرغبة واضحة في الإنجاز من أجل ملء الهواء، بعيداً عن أي مزاج هادئ يمنح الفرصة لاجتراح الجدّة والطزاجة، فيما ضربت الرقابة السورية المشروع بمقتل عندما رفضت 5 لوحات بعد تصويرها. وقد تعاملت مع العمل على أنه خصم يريد فضح الفساد الذي يغرق مفاصل الدولة في سوريا!

نجاحات



زحمة نجوم


تمكّنت شركة «كلاكيت» من تحقيق عودة قوية بعمل أراده منتجه من خلال التمسّك بالاسم أي «حرملك» (سليمان عبد العزيز وتامر اسحق) أن يكون معادلاً موضوعياً، وصيغة بصرية، تُجاري الدراما التركية التي تحصد أعلى نسب مشاهدة في الوطن العربي. وبالفعل استقطب له حشداً كبيراً من النجوم: جمال سليمان، وعبد الهادي الصبّاغ، وسلافة معمار، وباسم ياخور، وسامر المصري، وصفاء سلطان، وقيس الشيخ نجيب، ووفاء موصللي، وأحمد فهمي، ودرة. وبنى له ديكورات واكبتها استعراضات على المستوى البصري، ثم باعه لأكثر شاشة متابعة عربياً أي mbc، فحصد حضوراً ولمعة كرّستها مقترحات فردية لأداء تمثيلي رصين. سطع نجم أحمد الأحمد بكاراكتير مرسوم بعناية. كذلك، حصدت سلافة معمار (الصورة) مطرحها الخاص وهي تدير خاناً يصنع البسط ويدير دفّة القرار كونه مرتعاً لعليّة القوم! في سياق مختلف، حقق الليث حجو مساحة مضاءة لمسلسله «مسافة أمان» (كتابة إيمان السعيد) من خلال حكاية اجتماعية مترفة بشخصيات غنية، ومفاصل حياتية مثقلة بالهموم، لمعت فيها ثنائيات حوارية وأخرى أدائية، لعلّ أبرزها اللعب المتوازن بين كاريس بشّار ولين غرّة. صيغة منسجمة للحد الأقصى في الأداء والشكل والماكياج الذي صممته ريدنا تابت سويداني بأسلوبية أقنعت المشاهد بأنه أمام أمّ وابنتها، العلاقة بينهما إشكالية فيها شيء من الندّية، وغالباً تنقلب عكس السائد بأن تحتضن الفتاة أمّها وهي تبكي متاعب الحياة على كتفها!

تشويق وأداء رفيع


إمكانية الحديث عن عمل سوري حقّق هذا الموسم مقومات النجاح بشكل واضح مسألة في غاية الصعوبة. الأمر لم يتغيّر كثيراً منذ سنوات! كلّ «الهمروجة» التي انتشرت على الفايسبوك، حول أننا أمام سنة ردّ الاعتبار وعودة الألق هي مسميّات فضفافة. يمكن القول بأنّه موسم التهليل لبضعة أعمال أنجزت وتركت مساحة للنقاش فيها. أوّل تلك المسلسلات كان «دقيقة صمت» (كتابة سامر رضوان ـ إخراج شوقي الماجري ـ بطولة عابد فهد، وفادي صبيح، وخالد القيش، وستيفاني صليبا ورنا شميس) رغم استفراد المنتج صادق الصبّاح بالمسلسل، بعد تعرّض «إيبلا الدولية» لملمّة كبيرة أقصت صاحبها عن الأجواء الفنية بشكل اضطراري، فأقحم الصبّاح عناصر لبنانية لم يكن لوجودها أيّ مبرر، وبدا ظهورها خارج السياق، بل قلّل من قيمة تلك الشخصيات على المستوى الفني. ثم برزت هنات في تفصيل المبررات والدوافع الدرامية للحكاية وأبطالها، وخلل فاضح في أماكن لها علاقة بالحبكة. مع ذلك، حصد العمل حصةً من الاهتمام الجماهيري، بذريعة التشويق البوليسي المشغول في النص، والأداء التمثيلي الرفيع لدى نجوم العمل على رأسهم خالد القيش، وفادي صبيح، وعابد فهد، وأندريه سكاف، وفادي أبي سمرا وستيفاني صليبا. في كلّ الأحوال، يمكن تصنيف «دقيقة صمت» كواحد من الأعمال المقبولة تلفزيونياً، ربما لو أتيح لها نضج نقدي أثناء نسج التوليفة القصصية، وشرط إنتاجي أكثر أريحية، لحقّق صدمة نوعية على مستوى الدراما السورية.

السرّ في الحكاية


كانت أمنية الكاتب الفلسطيني الأردني جمال ناجي أن تتحوّل إحدى رواياته إلى مسلسل. ولمصادفات القدر القاسية، لن يتحقق مراده إلا بعد رحيله. قرر المنتجان إياد خزوز وياسر فهمي (شركة I See Media) تحويل روايته «عندما تشيخ الذئاب» إلى مسلسل، فتصدى لها المخرج عامر فهد وأقنعهما بضرورة تقديمها بصيغة سورية، ثم أوكل مهمة «سورنة» الرواية وإعادة بنائها تلفزيونياً لشريكه القديم حازم سليمان، فأنجز الأخير قصة متماسكة، وحبكة متصاعدة بالاتكاء على أساس صلب هي الرواية الممتعة التي تؤرشف بتكثيف عال مساحة ونماذج متباينة بين اليسار والإسلام السياسي! هكذا، اقتنص المسلسل تفرداً من خلال خلطة وافرة تستحق التأمل. لكنّ المردّات التاريخية للصراعات السياسية التي وصلت إلى اشتباك مسلّح في سوريا، لم يعطها حقها. كذلك أجهضته قناة «أبو ظبي» الجهة المنتجة التي عرضت العمل حصرياً على شاشاتها، لكنّها حذفت مشاهد «ماستر» تركت خللاً واضحاً في تراكم وتسلسل البنية الدرامية. مع ذلك، ظلّ المسلسل حاضراً بذريعة الحكاية و«الكاستينغ» القوي. فريق ممثلين تقمّصوا الشخصيات بعمق ومهارة، ولعبوا بتنافسية مالت الكفة فيها لسمر سامي وأيمن رضا ومحمد حداقي وأنس طيارة فيما وقع سلّوم حداد ــ رغم احترافيته المشهود لها ـ في فضح نفاق الشيخ عبد الجليل وقذارته منذ الحلقات التمهيدية، رغم أن الأمر كان يستحق خدع المشاهد ثم صدمه وإدهاشه بكشف خيوط الشخصية على مهل! شاب العمل الإيقاع الرتيب في بعض المطارح، والتردد في تمتين الصورة بقيم مضافة على مستوى المؤثرات البصرية والفنية، التي يمكن لها أن تشدّ من الوتيرة بشكل مستمر!