وسط الظروف التمويلية الهشّة هذه السنة، تصرّ «مؤسسة سمير قصير» على إقامة الدورة الحادية عشرة من مهرجان «ربيع بيروت» في الذكرى السنوية لاغتيال الصحافي اللبناني التي تنطلق عند التاسعة من مساء اليوم في «مسرح المدينة». رغم انحسار العروض إلى ثلاثة، بعدما وصلت إلى خمسة في الدورة السابقة التي تزامنت مع العيد العاشر للمهرجان، تواصِل المؤسسة دعوة الفنون البصرية والموسيقية والمشهديّة إلى مهرجانها، مع حرصها على إبقائه مجانياً أمام الناس. بداية الشهر الفائت، أعلنت مديرة «مؤسسة سمير قصير» جيزيل خوري، ومديرة المهرجان الممثلة رندا أسمر عن البرنامج في مؤتمر صحافي في «دار النمر للثقافة والفن». الأزمات التمويلية، اتّخذت حيّزاً واسعاً من الحديث. مع ذلك، تمّ الإعلان عن عرض إنتاج خاص هو «بيروت حبيبة البحر» (14/6 ـــ س: 21:00) الذي يعدّ احتفالية موسيقية ثلاثية الأبعاد بتاريخ العاصمة اللبنانية، وسيعرض للمرّة الأولى في الحمامات الرومانية وسط بيروت، على عادة المهرجان في بسط مواعيده في المساحات العامّة.«بيروت حبيبة البحر» هو اللقب الذي أطلقه سمير قصير على العاصمة اللبنانية في كتابه «تاريخ بيروت» وسيختتم المهرجان فعالياته بهذا العرض المشهدي الموسيقي الذي يجمع الصورة والصوت والضوء. في الحمامات الرومانية، سيشاهد الحاضرون عرضاً متعدّد الوسائط من خلال خرائط ثلاثية الأبعاد، بالإضافة إلى الموسيقى وأغنيات من الريبرتوار اللبناني تحتفي بالمدينة. طوال 60 دقيقة، يستعيد العرض محطات من تطوّر العمارة في بيروت وعلاقتها بالبحر وبسكان المدينة. ستمرّ أمامنا مشاهد من البدايات، بعدها تأتي نهضة بيروت العمرانية، ثم تحوّلها إلى جزيرة للترف، قبل أن تقتحم الحرب المشهد لتبدّد كل تلك الأحلام. يصل العرض إلى فترة ما بعد الحرب، ومرحلة إعادة الإعمار التي محت ملامح المدينة وطردت الناس، وأعادت توزيع الوسط على مشاريع ربحية. من خلال التقنيات والتكنولوجيات الحديثة، ستتحوّل الحمامات الرومانية إلى مساحة للاحتفاء ببيروت وتاريخها، على مدى ليلة أو ليال عدة، لكن ذلك لا يخفي السؤال: «أي مدينة ستكون وأيّ دور يبقيها جوهرة العالم العربي والمنطقة، وأملاً مستمرّاً لشباب المستقبل؟». العمل الذي كتبه وأخرجه ميلاد طوق، شاركت فيه وجوه عدّة مثل طارق قيامة (خرائط ثلاثية الأبعاد)، إلى جانب المغنين نادر خوري وديالا صعب وإنغريد نقور، والرابر «فينوس» الذين سيؤدون أغنيات مثل «يا مينا الحبايب»، و«ألو بيروت»، و«يا ترامواي بيروت»، و«توت توت عا بيروت»، و«اشتقنالك يا بيروت» ... لكن بتوزيع معاصر يجمع الكلاسيك بالفانك والجاز والشرقي والراب، ويحمل توقيع الموسيقي إيلي براك.
بالإضافة إلى هذه المشاركة اللبنانية، يستضيف الحدث مسرحية «الشقف» (11/6 ــ س: 21:00 ــ «مسرح دوار الشمس») التي تحمل توقيع التونسية سيرين قنون واللبناني مجدي بو مطر. بالاستناد إلى فكرة للمسرحي التونسي الراحل عزالدين قنون، أنجزت قنون وبو مطر «الشقف» التي عرضت للمرّة الأولى قبل عامين في «مهرجان الحمامات الدولي» في تونس. لا تزال القضايا التي يطرحها العمل راهنة، أو أنها تمثّل المأساة الأكبر في القرن الحادي والعشرين، وهذا ما دفع المنظمين إلى عرضها ضمن «ربيع بيروت» على خشبة «مسرح دوّار الشمس». تجري أحداث العمل في مياه البحر المتوسط الذي شهد على معاناة وغرق الآلاف من الهاربين.
«يا مينا الحبايب» و«ألو بيروت» وغيرهما بتوزيع معاصر يجمع الكلاسيك بالفانك والجاز والراب

وتحديداً على متن قارب يتسع لعدد كبير من الساعين إلى الخلاص في القارّة الأوروبية، من بينهم ثمانية أفراد من الجنسيات التونسية والأفريقية والسورية واللبنانية. التصعيد الدرامي في المسرحية يمشي مع ارتفاع الأمواج التي تهدّد القارب وركّابه. لكن هذه المساحة الضيقة وسط البحر، ستثير حوارات تتناول مآزق هذه البلدان، وانقساماتها الطائفية الداخلية، وحروبها الصغيرة، وغياب أبسط الحقوق عن أبنائها. رغم تعدّد بلدان الهاربين على قوارب الموت، تبدو أسباب الرحيل واحدة في هذه البقعة من العالم. يشارك في العمل تمثيلاً أسماء من سوريا ولبنان وتونس، وكندا وبنين هي بحري الرحالي، وعبد المنعم شويات، وريم الحمروني، وأسامة كشكار، وندى الحمصي، ومريم دارا، وغي أسونوسي، وصوفيا موسى.
أما الموعد الثالث، فهو «أنا وكسّارة البندق» (9/6 ــ س: 21:00 ــ «مسرح المدينة») الذي يتألف من الباليه الكلاسيكي، والأنيميشن والعزف الحي على البيانو. يعدّ «أنا وكسّارة البندق» نسخة معاصرة من رائعة تشايكوفسكي «كسارة البندق» (1892) التي تتبع حلم الفتاة كلارا ليلة الميلاد. افتتح العمل المتعدّد الوسائط في «مركز الباربيكان» في لندن عام 2017، وجال على بلدان عدّة، قبل أن يحطّ مساء الأحد 9 حزيران (يونيو) في «مسرح المدينة» (الحمرا ــ بيروت). في «أنا وكسّارة البندق»، تؤدي عازفة البيانو الرومانية البريطانية أليكسندرا داريسكو دور كلارا نفسها التي انقادت خلف أحلامها الموسيقية. يبدأ الثلج بالتساقط، في تمهيد لليلة الميلاد. الحفلة العائلية حاضرة، قبل أن تنقلب غرفة كلارا إلى حرب بين الجنود والفئران، وتتحوّل كسّارة البندق إلى أمير. الكائنات الكثيرة في هذه الرحلة الفانتازية، تطالعنا على الشاشة عبر الأنيميشن الرقمية التي ستغطي عوالم القصّة المتداخلة (Yeast Culture) بالإضافة إلى الراقصة ديزيريه بلانتاين (كوريغرافيا: جينا لي)، التي ستؤدي رقصات متعدّدة طوال مدّة العرض.

* مهرجان «ربيع بيروت» 9 و11 و14 حزيران ــ 21:00 ــ «مسرح المدينة» (الحمرا) و«مسرح دوّار الشمس» (الطيونة) والحمامات الرومانية (وسط بيروت). الدخول مجاني. للاستعلام: 01/397334