في الذكرى الـ19 لعيد «المقاومة والتحرير»، يستعيد اللبنانيون، عادة، تلك الفترة بالبحث عن صور وثقها تلفزيون «المنار» كونه كان السباق إلى مواكبة هذا النهار التاريخي وما قبله وما بعده. صور لنسوة يزغردن، وأخريات ينثرن الأرز على رؤوس المقاومين العابرين. رجال هرمون يعقدون حلقات الدبكة، فرحاً بالتحرير، الى جانب دموع الأهالي الذين التقوا بذويهم بعد ابتعاد قسري. لم يكن وقتها زمن الهاتف النقال، ولا منصات «الستريمينغ» (البث عبر الإنترنت)، ولم تكن التقنيات التلفزيونية، قد أتاحت بعد سهولة البث، والحركة، والنقل المباشر. حلاوة هذا النهار أننا نعود 19 عاماً الى الوراء، لنستذكر وجوه مراسلين/ ات، غاب معظمهم اليوم، عن الشاشة، وانصرف الى مهمات مختلفة في الإعلام. وجوه أسهمت في توثيق ذلك التاريخ، وواكبت تحرير القرى الحدودية، واندحار الاحتلال الإسرائيلي، وتأثرت بفرح الأهالي، وباللحظات المضيئة التي رسمها نهار 25 أيار عام 2000.

لا شك في أن «المنار» بطاقمها المتواضع وقتها، استحوذت على المشهد. «الأخبار» تواصلت مع وجوه واكبت «التحرير» كمراسلة ميدانية قبل أن تتولى مهمات إعلامية أخرى. حكم أمهز، اسم لازم تلك الفترة وما بعدها. مراسل «المنار» السابق، ترافق اسمه بالطبع مع أجيال واكبت العمل المقاوم إعلامياً. في حديثه معنا، يستذكر أمهز، الذي يعمل اليوم مشرفاً في قناة «العالم»، ويقطن في العاصمة الإيرانية، ويظهر أيضاً على الشاشة كمحلل وخبير في شؤون الشرق الأوسط (نال دكتوراه في العلاقات الدولية)، تلك المرحلة، ويعيدنا الى حقبة ما قبل التحرير، وبدء انسحاب الصهاينة من مواقع استراتيجية مهمة، كـ«سجد»، و«بيت ياحون»، وكيف كان فريق محطته موزعاً على فريقين: فريق يقوده، وآخر يشرف عليه الإعلامي عبد الله شمس الدين. يتوقف عند «جزين» التي لم تكن محررة بالكامل وقتها، وكان عملاء «لحد» ينتشرون في ساحتها. يسرد أمهز حادثة كانت وقتها مغامرة لفريق تلفزيوني، إذ دخل منطقة غير آمنة، وكان معرّضاً للخطر، بسبب «طغيان مشاعر الفرح والعزة عليهم حينها» كما يسرد لنا. في يوم «التحرير»، لم يتسنّ لأمهز ممارسة مهمته الشغوف بها، أي المراسل الميداني. اضطر إلى البقاء في غرفة الأخبار لمواكبة الحدث، بسبب النقص في فريق التحرير. وقتها، واكب البث المباشر، وتحركات المراسلين (الإعلاميان فاطمة عواضة وعباس ناصر). في اليوم الثاني على «التحرير»، نزل أمهز الى الميدان الجنوبي. يتذكر هنا أهالي بلدة «الطيرة» الحدودية مجتمعين في ساحة البلدة، متحلقين حول الدبكة. صار العجوز بينهم يقفز كشاب عشريني، على حدّ وصفه. مشاهد أثرّت في مراسل «المنار» السابق، ليواكب بعدها عملية الانسحاب من المواقع العسكرية، ويستصرح الأهالي، ويقدّم المراسلون أنفسهم للميديا المحلية والغربية، كشهود عيان على الحدث العظيم. بعد مرور 19 عاماً، ما زال أمهز يحنّ الى العمل الميداني، الذي «يجري في دمائه»، ويشكل بالنسبة اليه «العمود الفقري للعمل الإعلامي». ومع هذه الحسرة، يبقى الاعتزاز بمواكبة تلك الفترة المضيئة، وصفحات «العز »، وانقضاء عصر «الهزائم».
فاطمة عواضة كانت أول من دخل المعتقل


الإعلامي عبد الله شمس الدين، الذي أضحى اليوم يتبوأ منصب رئيس تحرير في قناة «الميادين»، واكب تلك الفترة، عندما كان مراسلاً ميدانياً في «المنار». عن تلك اللحظات، يخبرنا بأن الحدث كان مفاجئاً للجميع، وفاق التوقعات والاستعدادات الميدانية له. وقتها، اتُخذ قرار في المحطة بالبثّ لمدة 12 ساعة يومياً، لكن، بعد أربعة أشهر، تغيّرت المعادلة، وأصبح لزاماً مواكبة الأحداث على مدى عشرين ساعة يومياً، وفتح الهواء لها، الى حين تحوّلها بالكامل الى 24 ساعة متواصلة. لم تكن الظروف التقنية مساعدة في ذاك الحين، وفق ما يسرد لنا شمس الدين، إذ كانت الشرائط ترسل الى بيروت ليعاد بثها من هناك، بسبب صعوبة بثها من المناطق الجنوبية. على سبيل المثال، الشريط الأشهر لتحرير معتقل «الخيام» أرسل الى بيروت، علماً بأن مراسلة المحطة سابقاً، فاطمة عواضة، كانت أول من دخل المعتقل، ووثق هذه اللحظة المجيدة. سرى وقتها مفهوم «المواطن/ المراسل» قبل رواجه اليوم، في الاتكاء على شهادات أهالي القرى المحررة وماذا يحدث داخلها. تسارع تحرير القرى وقتها. كان أكبر من أن يستوعبه فريق متواضع، يتوزع بين التحرير والميدان. يتذكر شمس الدين ـــ الذي واكب عملية تحرير «بنت جبيل» الى حين الخطاب الأشهر للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، من هناك ـــ بلدة «حانين»، التي حولها الاحتلال الى قرية مدمرة بالكامل. تداعى الأهالي وقتها الى هناك، وبدأوا بنصب الخيام، بدل منازلهم المهدمة. لحظة أثرت عالياً في مراسل «المنار» السابق. ما زال شمس الدين، كزميله أمهز، يحنّ الى العمل الميداني، معتبراً أن المراسل هو من ينتج عمله، ويقدم بصمته في عمله، بخلاف مذيع الأخبار أو منتج النشرة. وهو لا يبتعد كثيراً عن الشاشة، رغم عمله خلفها، فيطل بين الفينة والأخرى كمحلل للشؤون السياسية.



برمجة «المنار»
مواكبة لعيد «المقاومة والتحرير»، ترتدي «المنار» حلّتها في هذا النهار. تعدّل برمجتها، لمواكبة المناسبة، واستذكار محطاتها المضيئة. البداية صباحاً (8:00) مع عرض لفيلم «ذاهب الى انصار»، بعده تفتح فترة البث المباشر (9:00-11:30)، من منطقة «النقار» (متاخمة لمزارع شبعا المحتلة)، مع استضافة وجوه سياسيين ومحللين. عند الساعة 14:30، تعرض القناة فيلم «شهداء المعتقل». وبعد كلمة أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله (18:00)، تواكب النشرة الإخبارية أيام «التحرير» عبر تقارير يومية توثق أحداث الأيام التي سبقت الحدث وخلاله. بعد ذلك (23:00)، يعرض شريط «سقوط تسادال» (سقوط جيش لبنان الجنوبي) الذي يتناول عملاء «لحد» منذ نشأة الميلشيا وصولاً الى عام 2000 (التحرير).