تونس | قبل مغادرته القصر الحكومي في القصبة، وقّع رئيس الوزراء التونسي السابق علي العريض قرار «ضبط إجراءات التسجيل والإيداع القانوني» الذي ينصّ على الإيداع المسبق للصحف وكل المنشورات التي تزيد على 49 صفحة، إضافة إلى المنشورات الإلكترونية، والكتاب الأجنبي المستورد. هذا الإجراء الذي تم تبريره بـ«مكافحة الإرهاب ومحاصرة الثقافة التي تروّج له»، واجهه المجتمع المدني بعاصفة من الرفض. عودة شبح الرقابة خلقت حالة من المقاومة الجماعية.
فالقرار الذي وقّعه الرجل الثالث في حركة «النهضة» كان يُبشّر بفاشية لم يعرفها التونسيون حتى في عهد الرئيس السابق زيد العابدين بن علي الذي ألغى الرقابة المسبقة على الصحف.
الضغط الذي مارسه الإعلام والناشرون والموزعون ومورّدو الكتاب دفع رئيس الحكومة الجديدة مهدي جمعة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة، من ضمنها القيام بـ«الإيداع القانوني بالنسبة إلى مختلف المصنّفات والمنشورات المشمولة في هذا الإجراء ضمن أجل أقصاه 48 ساعة من تاريخ وضعها على ذمة العموم». كما تمّ «تكليف «دار الكتب الوطنية» بقبول إيداع المصنّفات غير الدورية الوطنية أو المستوردة». بينما «كلّف «مركز التوثيق الوطني» بقبول الإيداعات المتعلّقة بالمصنّفات الدورية الوطنية».
جاء هذا التعديل وفقاً لما طالبت به قوى المجتمع المدني الرافضة لعودة الرقابة والإيداع المسبق للكتب والمنشورات والصحف، وهو الإجراء الذي نصّ عليه أمر رئيس حكومة «النهضة» المستقيلة.
يعتبر التراجع عن هذا الإجراء نقطة أخرى تسجّلها القوى المدنية والشارع الثقافي دفاعاً عن الحريات والمكاسب التي تحققت بعد ١٤ كانون الثاني (يناير). يجمع الشارع التونسي تقريباً على أن المكسب الوحيد الذي تحقّق هو حرية التعبير والإعلام والكتاب، وهذه المعركة تؤكّد أنه يصعب على أيّ نظام قادم أن يعيد تونس إلى ما كانت عليه، وخصوصاً في مجال الإعلام. يكشف الأمر، الذي وقّعه علي العريض قبل رحيله، المخطّط «الفاشي» الذي كانت تعدّ له حركة «النهضة»، إذ تراجعت حرية الإعلام في عهدها بسبب المناخ السياسي السيئ الذي غرقت فيه البلاد منذ تولي الترويكا الحكم. أصبح التهديد بالقتل والاعتداء بالعنف المادي والرمزي الخبز اليومي للصحافيين والمثقفين، ما أجبر الداخلية على تخصيص حماية خاصة لعدد من الصحافيين. ورغم كل محاولات تدجين الإعلام الرسمي والخاص، عجزت «النهضة» عن تكميم الإعلام من جديد، ما دفعها في خطوة أخيرة إلى تأسيس إعلام موازٍ كما يقول بعض قيادييها.