القاهرة | لا أحد ارتبطت حياته وشخصيته بالأدوار التي لعبها مثل محسنة توفيق. الفن بالنسبة إليها، كان امتداداً لقناعاتها السياسية. والسياسة كانت امتداداً لمفهومها عن الفن الجاد، وضرورة أن يكون للفنان موقف وقضية. والفن والسياسة كانا أيضا جزءاً من حياتها العائلية، إذ تزوجت أحد الناشطين اليساريين البارزين، هو أحمد خليل، وابنهما وائل هو امتداد لايمانهما الذي لا يتزعزع بالاشتراكية. لعبت أدواراً مميزة على المسرح، بالأساس، وقليلاً من الأدوار السينمائية والتلفزيونية، لكن حفرت في الذاكرة. لكن اسمها يظل دائماً مرتبطاً بشخصية «بهية» التي لعبتها في فيلم «العصفور» ليوسف شاهين. و«بهية» مثلما في أغنية الشيخ إمام التي يختتم بها الفيلم، هي مصر، كما رآها يسار الستينات والسبعينات: «مصر يا أما يا بهية. يا أم طرحة وجلابية. الزمن شاب، وانتي شابة. هو رايح وانتي جاية».كانت توفيق تصدق حقاً أنها «بهية»، وكانت تشبه شخصية بهية في أمومتها وايمانها الراسخ بقناعاتها السياسية وبالنصر القادم، مهما كانت الظروف. ومثلما هرعت «بهية» حافية القدمين إلى الشوارع، عقب هزيمة 1967 واعلان عبد الناصر عن تنحيه، صارخةً «هنحارب»، كانت توفيق تحمل نفس الصلابة والثقة في حياتها العملية والفنية، بالرغم من كل الظروف السيئة التي توالت على هذه الحياة، وقلصت كثيراً من فرص ظهورها وحرمتها ـ وحرمت الناس ــ من الاستمتاع بابداعها وموهبتها التمثيلية الفذة.
ربما تكون شخصية «بهية» الأشهر والأكثر بروزاً بين أعمال توفيق، لكنها من ناحية ثانية غطت على أدوار أخرى مميزة، خاصة في المسرح. ومن المعروف أن توفيق بدأت حياتها على المسرح من خلال «مأساة جميلة» ( 1962). وكما لو أنها ولدت للعب الشخصيات الوطنية، فقد قدمت على مدار عمرها عدداً كبيراً من هذه الأدوار منها دور الأم المصرية المناضلة في فيلم «وداعاً بونابرت» ليوسف شاهين، وهو تنويعة أخرى على «بهية» زمن الحملة الفرنسية، ودور المناضلة ومحررة المرأة المصرية هدى شعراوي في مسلسل «أم كلثوم» لانعام محمد علي. كانت المرة الأولى التي أرى فيها محسنة توفيق عندما ذهبت برفقة بعض أصدقاء الدراسة لمشاهدة مسرحية «منين أجيب ناس» على «مسرح السلام» في شارع القصر العيني عام 1985. كانت المسرحية، التي كتبها نجيب سرور، قد أحدثت دوياً هائلاً وقتها، بسبب مضمونها الثوري، واسم مؤلفها الذي اشتهر بأشعاره ومسرحياته الغاضبة ضد نظام السادات، وتعرض للاعتقال وايداعه مستشفى الأمراض العقلية. وكانت محسنة توفيق تتألق و«تجلجل» على المسرح كل ليلة وهي تتغنى بأشعار سرور الهادرة.
بعدها بفترة، شاهدنا «العصفور» الذي كان ممنوعاً من العرض تقريباً ضمن «أسبوع لأفلام يوسف شاهين» في سينما «كريم» في وسط البلد، ثم جاء مسلسل «ليالي الحلمية» الذي تألقت فيه توفيق بدور «أنيسة» لتضيف إلى صورة المرأة المصرية القوية التي تشكلت عبر أدوارها العديدة. كان يفترض أن تلعب محسنة توفيق شخصية «صديقة» التي أدتها داليدا في فيلم «اليوم السادس» (1986)، وقد ظلت غاضبة من يوسف شاهين بسبب تراجعه واعطاء الدور لداليدا. وعلى مدار حياتها، قدمت أدواراً وضاعت منها أدوار كان من شأنها أن تثري مسيرتها ومسيرة الفن العربي. لكن ما سيبقى دوماً هو صورة المرأة العربية المناضلة التي تحمل على كتفيها هموم الوطن.