عانت الدراما السورية خلال سنوات الحرب من قطيعة واضحة قادتها قنوات الخليج صاحبة رأس المال الأكثر وفرة عربياً. وانسجاماً مع بعض التسريبات الصحافية التي أكّدت بقاء أبو ظبي على تنسيق دائم مع سوريا، نفذت بعض الأعمال على شاشاتها أثناء الأزمة، إلا أن العام الماضي شهد تطوراً لافتاً بإنتاجها مسلسل «المُهْلب بن أبي صفرة» (تأليف محمد البطوش، وإخراج محمد لطفي) في سوريا. أحد الأحداث البارزة في هذا الموسم هو عودة قنوات «أبو ظبي» للاستثمار فنياً في سوريا بالتزامن مع افتتاح سفارة الإمارة في قلب دمشق. يترجم هذا الاستثمار من خلال عمل اجتماعي هو «عندما تشيخ الذئاب» (عن رواية جمال ناجي، سيناريو حازم سليمان وإخراج عامر فهد ــ قنوات «أبو ظبي»)، بالإضافة إلى مسلسلَيْن تاريخيَيْن. الأوّل هو «الحلّاج» (كتابة أحمد المغربي ــ إنتاج تلفزيون «أبو ظبي» ــ والمنتج المنفذ شركة I See Media للمنتجين ياسر فهمي وإياد الخزوز).العمل الذي تقرّر في اللحظات الأخيرة تأجيله بسبب صعوبة اللحاق بالسباق الرمضاني، تبدأ قصّته في سنة 265 هجرية، أي في عصر الخلافة العباسية الثانية، وتواكب ما شهدته تلك الفترة من اضطراب في تداول السلطة. بمعنى أنّ المسلسل يلتقط كواليس حياة المتصوّف الكبير الحسين بن منصور الحلّاج (يؤدي دوره النجم غسان مسعود) خلال هلهلة الدولة العباسية وصراعات العروش فيها، إلى جانب الانفتاح على سوق النخاسة بصياغة مغايرة عما شاهدناه في الأعمال التاريخية تحديداً من خلال شخصيّتين: «النطل» البارع في كسب ودّ الملوك والسلاطين والوصول إلى ما يريده بحنكة وذكاء، و«شغب» إحدى جواري الخليفة المعتضد بالله وأم ولده جعفر، التي ترفض أن تكون مجرّد امرأة عبرت سرير الخليفة، بل تقدر بدهائها وجمالها وإجادتها لعبة السياسة، على خوض معارك طاحنة لتمكين ابنها من الحكم! هكذا، عاش صاحب «الطواسين» في تلك الفترة المصنوعة على صفيح ساخن وخاض أولى مناظراته مع القاضي أبو بكر محمد بن داود، إلى جانب رحلة تنقّل طويلة، كونه أحد الرحالة الكبار في تاريخ الفكر الصوفي، لكنّه في المرحلة الأخيرة من حياته استقر في بغداد.
تزامن استئناف «أبو ظبي» الاستثمار الفني في سوريا مع افتتاح سفارة الإمارة في دمشق

يلعب البطولة إلى جانب مسعود كلّ من منى واصف ومحمد قنوع ومنذر رياحنة وعاكف نجم وكرم الشعراني وأنس طيّارة ورشا بلال وخلود عيسى...كذلك، سنشاهد مسلسلاً شبيهاً هو «مقامات العشق» (كتابة محمد البطوش، وإخراج أحمد إبراهيم أحمد، وإنتاج Media Revolution 7 (مفيد الرفّاعي) ـــ بطولة مصطفى الخاني، ويوسف الخال، ونسرين طافش، ولجين اسماعيل ــ «أبو ظبي»ـ و«الإمارات»). يتناول العمل فكر محي الدين بن عربي من خلال مرحلة نشوئه، إضافة إلى بعض الجوانب والمراحل في حيوات الشخصيات المُحيطة به، وكانت فاعلة ومؤثرة في بيئته، بدءاً من والده الشيخ المعروف علي بن عربي. الشخصية التي يؤدّيها اللبناني يوسف الخال وثّقتها أقلام المؤرّخين بسبب أهميتها الكبيرة في نشأة ابن عربي وما وصل إليه لاحقاً، وهي موجودة حتى نصف العمل تقريباً إلى أن تنتقل مجريات الحكاية والصراع من علي إلى محي الدين. لهذا السبب، حمل المسلسل عنوان «مقامات العشق» لا «الشيخ الأكبر»، ناهيك عن مجموعة قصص على رأسها ما يمثلها الشيخ المتطرّف «حامد» (مصطفى الخاني) و«ست الحسن» (نسرين طافش) وما تنسجه هاتان الشخصيتان وغيرهما من حكايات تدور على خلفية الصراعات التي شهدتها تلك المرحلة بين تيار التطرف والتكفير من جهة وبين الإسلام الحقيقي المعتدل من جهة ثانية، وهو جوهر الخلاف القائم حتى أيامنا هذه. على أن يكون الهدف من الشغل كلّه ملامسة العوامل الفكرية والروحية والاجتماعية والإنسانية التي كانت سائدة في ذلك الوقت، من دون الطموح لبلوغ سمو ابن عربي، وإنّما مجرد تقديم جرعة من فكره وملامسة عوالمه بطريقة فنية.